المهدي ومصر .. المحن إلى منح

المهدي ومصر .. المحن إلى منح

تأملات
جمال عنقرة


تشرفت بدعوة عزيزة من العزيزة المنصورة الدكتورة المستشارة القانونية الحبيبة مريم الصادق المهدي، لحضور حفل تكريم العالم الجليل خبير المياه البروفيسور محمود أبو زيد وزير الري المصري الأسبق، والذي شرف السودان للمشاركة في تدشين كتابين مهمين للراحل المقيم الإمام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة، ولقد تم إجلاسي في الحفل الفخيم الذي احتضنه دار حزب الأمة القومي في شارع الموردة بأم درمان، فكان اجلاسي في طاولة ضمت الزملاء الدكتور الباقر أحمد عبد الله، ومحمد لطيف، وشوقي عبد العظيم، وأحمد يونس، والبروفيسور قاسم بدري، فسألني محمد لطيف – بطريقته – ضاحكا “انت جاي بصفة الأنصارية ولا الصحافة والإعلام؟” فقلت له “الإثنين، والمصرية كمان” والأهم من ذلك الحدث، والسيد الإمام الذي يصنع الحدث، وهو أهم من كل حدث.
يعلم كثيرون عمق وطول وتشعب العلاقة بيني وبين السيد الإمام له الرحمة والمغفرة، ولكن يهمني في هذا المقام والمقال، ما يلي شأن مصر، وهي مسألة تتجلي فيها عبقريات كثيرة للإمام الراحل، لعل كثيرون لم يقفوا عندها، ولقد أغفل كل الذين تحدثوا في الحفل عن هذه الجوانب المهمة، ولم تستوقفهم التحولات العظيمة التي أحدثها السيد الإمام في العلاقات السودانية المصرية، وعلاقة الأنصار وحزب الأمة بمصر، وعلاقته شخصيا بمصر.
لا يخفي علي أحد العداء التاريخي، والصراع القديم والمتجدد بين حزب الأمة ومصر، والذي استمر حتى سقوط حكومة الديمقراطية الثالثة التي كان يقودها السيد الصادق المهدي علي أيدي الإنقاذيين في الثلاثين من يونيو عام ١٩٨٩م، وكان لمصر دور كبير في تقديم وقبول نظام الإنقاذ إقليميا وعالميا، وكانت الصحافة المصرية الأكثر شماتة في رئيس وزراء تلك الفترة السيد الصادق المهدي الذي أسقطته الإنقاذ، ومعلوم أن السيد الصادق عندما جاء رئيسا لوزراء السودان في العام ١٩٨٦م، قطع كل جسور الوصل والتواصل مع مصر، وكان أكثرها لصالح السودان أكثر من مصر، وكان قد ألغي إتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين، والغي التكامل السوداني المصري، واستبدله بميثاق الإخاء الذي لم ير النور حتى سقوط حكومته، ومعلوم قبل ذلك الصراع الذي دخل فيه السودان مع مصر عام ١٩٥٨م بشأن حلايب علي أيام حكومة حزب الأمة برئاسة الأميرلاي عبد الله بك خليل، وكانت مصر قد شنت هجوما عنيفا علي الإمام السيد عبد الرحمن المهدي بسبب دعوته للإستقلال، ولشعاره “السودان للسودانيين” وعندما جاء السيد عبد الرحمن القاهرة في طريقه إلى بريطانيا للمطالبة باستقلال السودان في مطلع خمسينات القرن الماضي، خرجت القاهرة في مظاهرات مضادة له، وطالبت الصحافة المصرية بإعدامه، وتلك بعض ملامح ومظاهر محدودة من التوتر والصراع الذي كان بين حزب الأمة ومصر، وورث الإمام الصادق المهدي كل هذه التركة المثقلة بالشحناء والبغضاء.
شاءت الأقدار أن يظل السيد الصادق المهدي حبيسا في سجون الإنقاذ، ويخرج قبله من الحبس مولانا السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي، ويخرج بعده الأمين العام لحزب الأمة السيد مبارك الفاضل المهدي، ويتجه الرجلان إلى مصر، وكلاهما تربطهما بالكنانة علائق وطيدة، ووشيجة، ويلحق بهما معارضون كثر، وكانت مصر قد استدبرت طريق الإنقاذ، لا سيما أنها قد اكتشفت ان الإنقاذ صنيعة إسلامية، ومعلومة المعارك التي كانت بين مصر والإسلاميين، وزاد الطين بلة موقف الإنقاذ من اجتياح القوات العراقية للأراضي الكويتية في العام ١٩٩٠م، فتكون التجمع المعارض للإنقاذ في مصر برئاسة السيد محمد عثمان الميرغني، والسيد مبارك الفاضل امينا عاما، وانضمت إليه الحركة الشعبية بقيادة الدكتور جون قرنق، وقيادة الجيش السابقة بقيادة الفريق فتحي أحمد علي، وقوات التحالف بقيادة العميد عبد العزيز خالد، واتخذ التجمع من العاصمة المصرية القاهرة مقرا له.
لم يكن هناك خيار أمام السيد الصادق المهدي بعد خروجه من السجن إلا أن يلحق بركب المعارضين في مصر، وقد لا يعلم كثيرون أن السيد الصادق المهدي كانت حياته ومواقفه، تنطلق من الثوابت والامثال والحكم التي يبشر بها، ومنها “الفش غبينته خرب مدينته” وهذا هو سر تسامح وتصالح السيد الإمام، ومن الأشياء التي يتحدث بها كثيرا “تحويل المحن إلى منح”، وهذا ما فعله عندما لم يجد أمامه خيارا سوي مصر، فكانت محنة الإختيار منحة لإعادة اكتشاف المكان وأهل المكان، ولعل ما اورده السيد الإمام في كتابيه عن مياه النيل، وحضور وزير الري المصري الأشهر الأستاذ الدكتور محمود أبو زيد، يرافقه نجله خبير المياه أيضا الدكتور خالد خير شهادة ودليل علي مقدرة الإمام الراحل في تحويل المحن إلى محن، وهناك عشرات الأسماء والاعلام المصرية السامقة صارت بينها علاقات وثيقة وحميمة مع السيد الإمام مثل علاقة السيد أبو زيد، وقد تكون أعمق، ولولا طبيعة المقال لذكرت تفاصيل عشرات الأمثلة في ما يلي علاقة الإمام بمصر، وكيف أنه حول المحن إلى منح.

admin

تدوينات ذات صلة

لا تعليقات بعد على “المهدي ومصر .. المحن إلى منح

  1. بالتوفيق أولا لجسور الإلكترونية فى عالم الصحافة الرقمية ومزيدا من بالبشر والعطاء الثر الحر بحثا عن الحقيقة وتحقيق رسالة الصحيفة السامية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x