لأهمية الأمر

لأهمية الأمر

تحبير

د.خالد أحمد الحاج

من منطلق أن الإعلام يمثل السلطة الرابعة، وبما أن وسائل الإعلام تحت هذه السلطة تضطلع بوظائف مهمة، تعتبر رسالتها للجماهير ذات اعتبار كبير، إذ تسعى بذلك إلى تشكيل رأي عام متوازن تجاه القضايا التي تقوم بتناولها خاصة تلك القضايا تمس أمن وسلامة الوطن والمواطن، من هنا فإن الرقابة على أداء أجهزة الدولة، وقواها السياسية، وكياناتها الاجتماعية، وكافة أشكال الممارسات الحياتية الأخرى تعد واحدة من أنجع طرق العرض والتحليل التي تتخذها لتكشف عبرها كافة أشكال التعديات وما يمكن أن نسمه خرقا للقانون، أو لإماطة اللثام عن أي تجاوزات تضر بالصالح العام، وما قد يعرض البلاد للخطر. من هذا المنطلق فإن الرأي العام الذي تشكل حول ما راج مؤخراً بأن هناك اتجاه لتذويب اللاجئين المتواجدين بالمعسكرات السودانية في المجتمع المحلي موضوع لابد أن يتنبه له الشارع السوداني، لأن ما وراء تنفيذ مثل هذا التوجه هو الخطر بعينه على الشعب السوداني، الجيل الحالي والأجيال اللاحقة. ومعلوم أن المعتمدية السامية لشؤون اللاجئين هي الجهة المخول لها ترتيب وتقنين أوضاع اللاجئين بالبلاد، وهي الجهة التي يحق لها وفقاً لقانون تأسيسها أن تتواصل مع المنظمات الإنسانية الدولية للتدخل بغرض تقديم الدعم، أو عمليات الترقية والتطوير التي تنتويها على مستوى المعسكرات، وما إلى ذلك من أوجه النشاط المعروفة. ولا يفوت على فطنة القارئ الكريم أن الحرب التي دارت قبل سنوات من الآن بين عدد من القوميات الإثيوبية تحمل السودان تبعات هذه الحرب حين استقبل عشرات الآلاف من هؤلاء اللاجئين، وأود هنا أن ألفت الانتباه إلى أن السودان قد اعتاد على ذلك من المواقف، وبخاصة عند نشوب الصراعات بدولة مجاورة، وعند وقوع الكوارث والأزمات التي تقع بين الفينة والأخرى في المنطقة، بحكم حدوده الممتدة والمفتوحة مع عدد من دول الجوار. بذات القدر تستقبل دول الجوار لاجئي السودان، وحرب الخرطوم الأخيرة خير مثال لواقع الأزمات بالقارة السمراء التي في كثير من الأحيان تبدو متشابهة، مع العلم بأن القوانين الدولية التي تنادي بالمحافظة على حق اللاجئين مرعية في بلادنا، وقد ساهم السودان بالتعاون مع الأمم المتحدة عبر منظماتها العاملة في الشأن الإنساني ولحقب عديدة وبقدر كبير في محاربة ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي أرقت المجتمع الدولي، عليه فإنني عبر هذه الزاوية أناشد المجتمع الدولي، والقائمين على الأمر بأن يراعوا رفض أهل السودان لأي محاولة لدمج أي مجموعات إقليمية لجأت إلى السودان نتيجة لعدم قدرة هذه المجموعات على العيش في بلدانهم إما لظروف قاهرة، أو غير محتملة في المجتمع المحلي، من واقع أن ما يترتب على مثل هذه القرارات من تبعات يمثل مهدداً للأمن القومي السوداني، لأن أي عملية إدماج ينتج عنها تناقص في موارد البلد المضيف، باعتبار أن هذه المجموعات ستشارك المجتمع المستضيف في موارده، وبالتالي تتناقض هذه الموارد مع مرور الزمن، ولا يحصل أهل البلد على احتياجاتهم الضرورية من الموارد كما ينبغي، فضلاً عن الهزة التي يمكن أن تحدث داخل المجتمع نتيجة للتغيرات الاجتماعية والثقافية والديمقرافية، وعلى مستوى السلوك وغير ذلك من المظاهر التي تنجم عن أي تذويب بهذا الشكل على مستوى الهوية والقيم السائدة، علاوة على الخوف من حدوث استلاب ثقافي حال طغت ثقافة الوافدين على ثقافة المجتمعات المستضيفة. قضايا حساسة بهذا الشكل، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج يجب أن يفتي بخصوصها البرلمان إن كان قائماً بالفعل، وعلى أبعد مدى ينبغي أن يحدث بخصوصها استفتاء شعبي لمعرفة رأي الشعب حول الدمج بعبارات واضحة، وباستصحاب المخاطر لكي لا يقع الشعب في أي حبائل أو شراك قد تجعله يندم على النتيجة إن وافق على الأمر دون أن يبصر بما يمكن أن يحيق به. إن سئلت شخصياً عن قضية أثارت الرأي العام مؤخراً لما ترددت بالقول بأنها نية إدماج هذه الكيانات في المجتمع السوداني قضية وجدت حظها من التداول والنقاش البناء من قبل الخبراء والمختصين وقبيلة الإعلام، وبما أن هناك اجتماع دولي مزمع عقده بهذا الشأن في شهر ديسمبر القادم لابد أن توضع النقاط على الحروف قبل توجه وفد السودان، فضلاً عن استصحاب رغبة السودانيين الأكيدة برفض هذه المسألة شكلاً ومضمونا، وعلى المنظمات الدولية الاضطلاع بمهامها بحدود بما كفله لها القانون، دون تجاوز للشعب الذي يحق له أن التقرير بشأن مثل هذه القضايا كلمته. ما الغرض من تسريح العاملين بمعتمدية اللاجئين وفي هذا التوقيت بالذات؟ مع الوضع في الاعتبار لوضعية الكوادر العاملة بهذه المؤسسة العريقة من واقع التأهيل المعتبر لهم وخسارة الحكومة السودانية في تدريبهم والاعتناء برفع قدراتهم على مستوى الداخل والخارج على السواء. باعتقادي أن اتخاذ مثل هذه القرارات دون قراءة ما يترتب عليها من تبعات على العاملين، وعلى أسرهم وما يمكن أن ينجم عنه من إضعاف للأداء باعتبار أن المعتمدية أحد أهم أذرع وزارة الداخلية في الحفاظ على أمن الوطن وسلامة أراضيه من أي مهددات خارجية، عليه لابد من التريس قبل اتخاذ أي قرار يصعب الرجوع منه إن لم يكن صائبا أو فيه إجحاف.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x