ثورة ديسمبر .. الحكم بعد المداولة “١”

ثورة ديسمبر .. الحكم بعد المداولة “١”

تأملات
جمال عنقرة

بقدرما أجمع الناس علي أن ثورة ديسمبر ٢٠١٨م كانت من أعظم ثورات السودان من جوانب عدة، أجمعوا كذلك أن السودان، والسودانيين لم يخسروا في تاريخهم مثلما خسروا في ثورة ديسمبر، لذلك لا بد من وقوف وتأمل لنعرف كيف تحول أعظم إنجاز إلى أكبر خسارة.
وهذه السلسلة من المقالات التي لا أعرف الآن كم تبلغ، ومتي تنتهي، هي مجرد مراجعات وقراءات، والحكم الذي أشرت إليه في العنوان، هو حصاد لهذه المراجعة، يصدره القراء والمتابعون، وحسبي فيه ما أقدم من حيثيات قابلة للمراجعة والتداول.
ثورة ديسمبر ٢٠١٨م التي أسقطت نظام الإنقاذ، هي قطعا لم تنطلق في ديسمبر عام ٢٠١٨م، وإنما أطلق عليها هذا الإسم مجازا، لاعتبار أن المظاهرات التي انطلقت في شهر ديسمبر المشار إليه لم تتوقف حتى بيان إزاحة المشير البشير في الحادي عشر من شهر أبريل عام ٢٠١٩م، وهذا المجاز الذي قبلناه جميعا، كان أول خطوات تحويل المنحة إلى منحة، وتبديل الكسب إلى خسارة، فاكبر مكاسب ثورة أبريل أن السودانيين كلهم شاركوا في صناعتها، والدعوة للثورة والتغيير لم تبدأ قطعا في ديسمبر ٢٠١٨م، ولم تبدأ لا في عام الإنقاذ الأخير، ولا في العقد الأخير من عقود حكمها الثلاثة، وإنما بدأت من أيام حكمها الأولي قبل ثلاثين عاما من سقوطها، ورغم أن كل القوي والأحزاب السياسية ظلت تتبادل الأدوار في السعي لتغيير الإنقاذ حربا وسلاما، إلا أن الإسلاميين الذين صنعوا الإنقاذ كانوا هم الأكثر قوة في الدعوة للتغيير والإصلاح، حربا وحوارا، ومعلوم أن الشهيد داود بولاد كان من اوائل الذين حملوا السلاح لاسقاط الإنقاذ، ومعلوم كذلك أن حركة العدل والمساواة التي لم تكتف بحمل السلاح في الجبال والصحاري والوديان، وإنما اقتحمت العاصمة جهارا نهارا لاسقاط نظام الإنقاذ، كان اكثر قادتها وقواعدها من الإسلاميين، ومعلوم أن المؤتمر الشعبي الذي انفصل عن الحكومة وحزبها الحاكم كان أشرس القوي والأحزاب السياسية في منازلة الإنقاذ، ومعلوم أن الحزبين الكبيرين الأمة القومي، والإتحادي الديمقراطي الأصل كان لهما الفضل في تأسيس أول وأكبر كيان معارض لنظام الإنقاذ، هو التجمع الوطني المعارض، الذي ضم كل القوي السياسية والعسكرية المناهضة لنظام الإنقاذ، ولما جنحت الحكومة للسلم، جنحوا له، وعادوا إلى أرض الوطن، ومنهم من شارك في الحكومة طلبا للتغيير، مثل الحزب الإتحادي الأصل، وبعض من كانوا في حزب الأمة القومي، ومنهم من صبر علي الحوار، يقترب ويبتعد، ويعارض أحيانا مثل الإمام الراحل المقيم السيد الصادق المهدي، ومن ظلوا مرابطين معه في حزب الأمة القومي، ومعلوم أن جناحا اصيلا في الحزب الإتحادي الديمقراطي، هو جناح الأمين العام الراحل المقيم الشريف زين العابدين الهندي، كان سباقا في اختيار الحوار سبيلا للتغيير، ومعلوم أن بعض فصائل الحركة الشعبية السودانية اختارت الاستمرار في الداخل بعد انفصال الجنوب عام ٢٠١١م، ومعلوم كذلك أن بعض حركات دارفور المسلحة استجابت لنداءات السلام، وعادت إلى أرض الوطن، واختارت التغيير من خلال الحوار والمشاركة، ومعلوم كذلك ظهور تيارات إسلامية صارت تدعو للتغيير والإصلاح، لعل اشهرهم مجموعة الإصلاح الآن التي قادها الدكتور غازي صلاح الدين وآخرون، هذا فضلا عن كثيرين لم يخرجوا من المؤتمر الوطني، لكنهم لم يكفوا عن الدعوة للتغيير والإصلاح، ومعلوم أن الحكومة وبقيادة البشير نفسه قادت دعوة للحوار الوطني منذ مطلع يناير عام ٢٠١٤م، ويجب ألا ننسي عسكريين من صناع الإنقاذ وقادة مجلسها العسكري سبقوا الجميع في الدعوة للإصلاح، ولما لم يجدوا أذنا صاغية، تقدموا باستقالاتهم وانسحبوا من المشهد، هم العميد الركن عثمان أحمد حسن، واللواء الركن فيصل أبو صالح، واللواء طيار فيصل مدني مختار.
وهناك محاولات تغيير كثيرة أخري عسكرية وشعبية، ومن المحاولات العسكرية محاولة رمضان المشهورة، والتي كانت في عام الإنقاذ الأول، وهذه كان اكثر قادتها من البعثيين، ومحاولة العميد ود إبراهيم، وهذه كان يقف خلفها اسلاميون، أما الحركات الشعبية، فكانت اشهرها انتفاضة سبتمبر ٢٠١٣م، وهذه كانت بمعايير كثيرة أقوي واعنف من مظاهرات ديسمبر ٢٠١٨م.
نواصل بإذن الله تعالي

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x