البرهان في مصر .. أكثر من رسالة

البرهان في مصر .. أكثر من رسالة

تأملات
جمال عنقرة

سألني أحد الأصدقاء هل طبيعي أن يبتدر رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان زياراته الخارجية بجمهورية مصر العربية، فقلت له غير الطبيعي أن يبدأ البرهان زياراته الخارجية بأي بلد آخر غير مصر، ففضلا عن ما هو معروف عن أواصر ووشائج تربط بين السودان ومصر، شعبا وأرضا، وهي وشائج واواصر لا يوجد لها مثيل أو شبيه، بين كلا البلدين والشعبين الشقيقين، وبين اى بلد أو شعب آخر، ففضلا عن ذلك، وفضلا عن أن ذلك وحده يكفي لأن تكون زيارة البرهان الأولي لمصر، فإن موقف مصر من الأزمة السودانية الأخيرة لا يقاربه موقف أي دولة أخري، فمصر كانت سباقة في وضع الأزمة في وضعها الصحيح، فمنذ اليوم الأول أعلنت مصر أن ما يجري في السودان شأن داخلي، وأن الرأي الفصل في ذلك للسودانيين أولا وأخيرا مع تقدير واحترام كل الجهود الإقليمية والدولية، سواء كانت فردية أو جماعية، ثم أكدت أن اي حل يجب أن يرتكز علي الحفاظ علي وحدة السودان، والحفاظ علي الدولة ومؤسساتها، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، ثم أكدت ذلك وعززته عبر مبادرة دول جوار السودان التي قادتها مصر لحل الأزمة السودانية، وهي المبادرة التي حازت علي النصيب الأكبر من القبول والرضاء لدي أكثر أهل السودان.
مسألة أخري مهمة جدا تستوجب علي السيد البرهان أن يبدأ زيارته بمصر، وهي أنه بذات العفوية والتلقائية التي تحركت بها ارتال السودانيين تلقاء مصر عند اندلاع حرب أبريل اللعينة، استقبلتهم مصر بذات العفوية والتلقائية، وبرغم أن مصر أدخلت السودانيين في تلك الأيام بإجراءات استثنائية لم يسبق لها، لم تعتبر السودانيين استثنائيين، بل اعتبرتهم مواطنين اصيلين شأنهم شأن المصريين تماما، ومعلوم أن مصر في تلك الأيام سمحت للسودانيين بالدخول بجوازات منتهية الصلاحية، وبوثائق سفر اضطرارية، وسمحت للأطفال بالدخول مضافين إلى جوازات والديهم، وظل الحال هكذا إلى أن حدثت اختلالات وتجاوزت اضطرت مصر لفرض شروط استثنائية لدخول السودانيين، ونأمل أن تعالج تلك الاختلالات، وتضبط التجاوزات، ويعود السفر بين البلدين الشقيقين إلى ما كان عليه قبل الحرب، بل أفضل، وهذا الموقف المصري الرسمي والشعبي في التعامل مع السودانيين أيام صدمة الحرب الأولي، وما تلاها كان أيضا من دوافع السيد البرهان لتكون زيارته الأولي إلى مصر، ليقول شكرا مصر، وقد فعل، وليست هناك دولة تستحق أن نقول لها شكرا قبل مصر، لأنه لا توجد دولة فعلت مثلما فعلت مصر، رغم أنها لم تفعل ذلك إنتظار جزاء ولا شكورا، وتلك مسؤولية متبادلة بين أكثر شعبين وبلدين شقيقين في الدنيا، ومع ذلك قال الرئيس البرهان، ونقول معه، شكرا مصر.
ومن دواعي أن تكون زيارة البرهان الأولي إلى مصر، أن مصر هي الدولة الأكثر تأهيلا للقيام بادوار محورية في مستقبل السلام، لوقف الحرب، ولما بعد وقف الحرب، وما توافق عليه لوقف الحرب بين مبادرة دول الجوار التي تقودها مصر، وبين حكومة وأكثر أهل السودان، هو الأكثر موضوعية في هذا المجال، فالمبادرة نادت بوقف فوري ومستدام للحرب، والحكومة السودانية أعلنت استعدادها لوقف الحرب فورا، وقدمت شرطا واحدا موضوعيا، هو خروج مقاتلي الدعم السريع من الاعيان المدنية، سواء حكومية أو أهلية.
المسألة الثانية المهمة بعد وقف الحرب هي إعادة بناء وتعمير البلاد بعد ما شهدته من دمار منظم، ومصر الحكومية العسكرية والمدنية، والأهلية في قطاعاتها الخاصة المختلفة، هي الأجدر والاقدر علي هذا، وذلك باب يجب طرقه من الآن.
المسألة الثالثة بعد وقف الحرب وعمليات البناء والتعمير هي العملية السياسية، وفي هذه أيضا تطابقت رؤية مبادرة دول الجوار التي تقودها مصر مع رؤية الحكومة السودانية، والقطاع الأكبر من أهل السودان، وهي أن تكون العملية السياسية شاملة لكل أهل السودان دون عزل أو إقصاء، ومصر فضلا تطابق رؤيتها الموضوعية مع رؤية غالب أهل السودان، هي الأكثر تأهيلا للقيام بدور محوري في هذا الشأن، فهي موصولة بكل فرقاء السياسة السودانية تقريبا، وهي محل ثقتهم، وأكثرهم يوجدون في أرضها هذه الأيام، وهم “بعرفونا وبنعرفهم” وهذه تجعل العملية السياسية بعد وقف الحرب ناجحة، وناجعة.
رسالة مهمة جدا بعث بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للجميع “بدون فرز” وهي تعزيز تأكيد شرعية النظام الحاكم في السودان، وشرعية السيد البرهان رئيسا لمجلس السيادة وقائدا عاما للقوات المسلحة السودانية، وتجلي ذلك في الكرنفال الرفيع الذي استقبل به الرئيس السيسي الرئيس البرهان في مطار العلمين، وأذكر أن صديقا عزيزا، مسؤولا رفيعا في رئاسة الجمهورية المصرية بعث لي من العلمين فيديو مراسم إستقبال الرئيس السيسي للرئيس البرهان بعد دقائق محودة من وصوله، وأظهر الفيديو اللحظة الأهم منذ خروج الرئيس السيسي من الصالة الرئاسية، ومشواره الطويل العظيم في البساط الأحمر لاستقبال شقيقه الرئيس البرهان في سلم الطائرة بحميمية ظاهرة.
رسالة قبل الأخيرة، عودة السيد البرهان مباشرة من العلمين إلى بورتسودان، ولم يمر علي أي دولة أخري كما كان يشاع، وتلك رسالة مهمة، فمصر بالنسبة للسودان “وحدها لا مثيل لها” والكل “يرعي بي قيده”
رسالة أخيرة ومهمة جدا بعث بها السيد البرهان إلى أهل الداخل، وهي أنه اصطحب معه أكثر شخصين نسجت حولهما اتهامات، وصيغت عنهما سيناريوهات محكمة، بل صدرت أحكام تجريمية وعقابية في حقيهما، هما الفريق أول ركن ميرغني إدريس المدير العام لمنظومة الصناعات الدفاعية، والفريق أحمد إبراهيم مفضل مدير عام جهاز الأمن والمخابرات، وفي ذلك رسالة قوية، تدحض كل ما اشيع عنهما، وتبقي هناك رسائل عدة تختبئ بين سطور هذه الزيارة التاريخية، التي سيكون لها ما بعدها بإذن الله تعالي.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x