العملية السياسية .. بمعزل عن الشعب والجيش

العملية السياسية .. بمعزل عن الشعب والجيش

تأملات
جمال عنقرة

السودانيون جميعا متفقون علي حتمية وضرورة الحل السياسي، ولا يوجد حزب سياسي، ولا حركة مسلحة، ولا اي مكون مدني أو عسكري يرفض الحل السياسي، ومن حكم السودانيين أن الحل بالأيدي أفضل من الحل بالأسنان، وأن الحل بالأسنان أفضل من القطع بالسكين، ولكن العملية السياسية الجارية الآن تفتقد كل مقومات النجاح الموضوعية، وعلتها الكبري أنها تجري بمعزل عن غالب أهل السودان، وهذا ما يهددها بالفشل، بل يضع السودان كله أمام امتحان عسير، نتائجه كلها محفوفة بالمكاره.
وكما هو معلوم فإن أغلب القوي السياسية رافضة لهذه العملية، رغم عدم إتفاقهم علي أسباب واحدة للرفض، ومن القوي الرافضة للعملية السياسية بشكلها الحالي، لجان المقاومة، وتجمع المهنيين، والحزب الشيوعي السوداني، وحزب البعث العربي الاشتراكي السوداني، والاسلاميون جميعا، وحركات الكفاح المسلح الرئيسة – العدل والمساواة وحركة جيش التحرير – وكثير من قوي المجتمع المدني، من الإدارات الأهلية والطرق الصوفية، والحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا السيد محمد عثمان الميرغني ونجله السيد جعفر الصادق، ومجموعة “تسع” وقوي الإنتقال، وعدد من أحزاب الحركة الإتحادية، وأحزاب الأمة.
وفي مقابل ذلك فإن الأحزاب الرئيسة التي تقود العملية السياسية، هي ورثة قيادة حزب الأمة القومي، وحزب المؤتمر السوداني، والتجمع الإتحادي، ومجموعة من حزب البعث تم استقطابها بعد خروج السيد السنهوري مجموعته البعثية، وأفراد منسوبون لاحزاب سياسية تيارها الغالب ضد المشاركة في العملية السياسية بشكلها الحالي، مثل بعض منسوبي الشعبي، والاتحادي الأصل، والاتحادي الأمانة العامة، وانصار السنة المحمدية.
أما بالنسبة للقوات المسلحة فعلي الرغم من وجود سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان القائد العام للقوات المسلحة في العملية السياسية، ورغم صدور بيان من الجيش يعلن تأييده للعملية السياسية، إلا أن واقع الحال يشير إلى أن الجيش بعيد عن هذه العملية تماما بشكلها الحالي، وليس ما ورد أخيرا في بيان الجيش الذي يقول أنه ينتظر تحديد مواقيت الدمج، وحده دلالة علي ذلك، فهناك إشارات كثيرة، وفضلا عن ما ذكره البرهان في أوقات سابقة أنهم لن يسلموا السلطة إلا لحكومة متوافق عليها من كل أهل السودان، فإن من آخر أقواله أن الجيش لن يأتمر إلا لحكومة منتخبة، وكما هو معلوم فإن الحكومة المزمع تكوينها حصادا لهذه العملية السياسية، ليست حكومة متوافق عليها مثل التي أشار إليها السيد البرهان لتسليمها السلطة، ولا هي حكومة منتخبة يخضع إليها الجيش، ولا أدري كيف تفكر قوي الإطاري التي تقود هذه العملية بمعزل عن الشعب والجيش معا.
لا أدري، ولا أظن أن أحدا يدري إن كان التوقيع علي الإتفاق السياسي سوف يتم في الموعد المحدد له، أم لا يتم، ومهما تكون النتيجة فإن المسار السياسي مهدد بتحول كبير في مقبل الأيام. ومع أن كثيرين يتوقعون أن يقود انسداد الأفق إلى اندلاع فوضي قد تقود إلى اقتتال في الشوارع، لكنني استبعد ذلك تماما، ذلك أن القوي التي تمتلك السلاح علي درجة عالية من الوعي، ولديها حسابات دقيقة، كلها تقودها إلى تجنب الصدام المسلح، واعني بتلك القوي، القوات النظامية، والدعم السريع، وقوات حركات الكفاح المسلح، والراجح عندي، وعند كثيرين أن تعود البلاد إلى المربع الأول، وتسيطر القوات المسلحة علي الأوضاع المازومة، ويتم تشكيل حكومة تصريف أعمال إلى حين إجراء انتخابات بعد عام، أو عامين بالكثير، ويتم بعدها تشكيل حكومة منتخبة، تؤول إليها كل السلطات والصلاحيات، ويكون ذلك هو المخرج الآمن من هذه الأزمة التي دخلت فيها بلدنا بقصر نظر السياسيين الذين أتتهم فرصة في طبق من ذهب، لكنهم أضاعوها أكثر من مرة.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x