لماذا فشل السودانيون ..؟ (٢)

لماذا فشل السودانيون ..؟ (٢)

ألسنة وأقلام

بابكر إسماعيل

“ويلاه من نار الكفرة ..
كسروا قبة المهدي ولم يخافوا الله” ..
هكذا صاح الخليفة التعايشي في صباح الفاتح من سبتمبر وقد وجهت القوات الغازية فوهة مدفعها الهاوزر نحو قبة الإمام المهدي .. وكانت تلك أول جملة في هزيمة كرري ..سبتمبر ١٨٩٨م

تأسست الدولة السودانية الحديثة عقب سقوط الخرطوم وإبادة السودانيين بمدافع المكسيم واستباحت قوات كتشنر مدينة أمدرمان لثلاث ليال ونبشوا قبر الإمام المهدي عليه السلام وهدموا قبته .. وأُرسلت جمجمته إلي بريطانيا ونثرت عظامه .. وهذه الأفعال الانتقامية جرائم حرب بربرية يندي لها جبين العالم الحرّ ..

دخل الجيش الغازي مزهوّاً وعشرة آلاف من فرسان المهدية مجندلين عند سفح جبل كرري ومثلهم من الجرحي ..
والنسور تحوم حولهم ..
ونساء أمدرمان يستقبلن الجيش الفاتح بالزغاريد خوفاً ورهباً والخليفة متحيّزٌ إلي فئة حتي جندلوه في نفر من أمرائه عند أم دبيكرات:
والغناء الحزين يردّد صداه النيل الأبيض:

يا إخوان البنات تعالوا أوصيكم
وأودعكم نبيّاً لا يخون فيكم
اعقدوا الطروف ما تجونا بقفيكم
الموت في الخلا وفي الحلة راجيكم

قُتل رأس الدولة السودانية الخليفة عبد الله التعايشي في أم دبيكرات في يوم ٢٤ نوفمبر ١٨٩٩ وانكسرت الإرادة السودانية ..
وطُؤطِت الرؤوس.

وأطلق المنتصرون سراح سجناء الخليفة وطالب ١٢٠٠ من موظفي الحكومة السابقين بتعويضات ورواتب فاقت الأربعين ألف جنيه إنجليزي
وأُنعم علي السردار كتشنر بلقب لورد كتشنر أوف خرطوم ورقّي رئيس استخباراته ونجت إلي رتبة اللواء ومنح لقب سير ..

رفع العلمان الإنجليزي والمصري علي سراي الخرطوم (القصر) يوم ٨ / ٩ / ١٨٩٨ وسمّي سوداننا بالسودان الإنكليزي المصري يحكمه حاكم عام يختاره الإنجليز ويؤيده خديوي مصر ويحكم بقوانين يسنها الحاكم العام ويصدّقها معتمد الدولة البريطانية ومجلس النظّار في مصر ..

قام كتشنر بتجديد بناء سراي الخرطوم (القصر) وأسس كلية غردون التذكارية تخليداً لذكري شهيد الإمبراطورية البريطانية- غردون باشا – وقد تبرّع الإنجليز بسخاء لهذا الوقف ولا يزال مسجلاً في مفوضية العون الإنساني بإنجلترا تحت اسم صندوق غردون التذكاري ..
افتتحت كلية غردون في ٨/ ١١/ ١٩٠٢

وتلي ذلك افتتاح ثلاث مدارس ثانوية لتخرّج لهم معاونين إداريين يعينونهم علي حكم السودان ونهب ثرواته ..

تولّي الحكم بعد لورد كتشنر ضابط استخباراته الماسوني ونجيت باشا لمدة ثمانية عشر عاماً
حيث أسّس في قصره محفلاً ماسونياً برئاسته وعضوية كبار موظّفيه ووجهاء السودان وأعيانه
وونجيت هو الذي وضع قواعد الدولة السودانية .. وسار علي دربه الزعماء السودانيون لا يحيدون عن هديه ..

وحتي دستور السودان للعام ١٩٥٦ الذي وصفً بأنه الدستور المؤسس للدولة السودانية أساسه هو مشروع قانون الحكم الذاتي الذي قدمه الحاكم البريطاني العام للسودان في ٨ مايو ١٩٥١ وأدخلت عليه تعديلات قبيل الاستقلال وسمّي بالدستور الانتقالي للسودان
وقد تبنته أيضاً كلية المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء الانتقالي التشريعية عقب انقلاب سوار الذهب علي النميري في أبريل ١٩٨٥ وسمّوه حينها بدستور السودان الانتقالي للعام ١٩٨٥ وهو في أصله نفس مشروع دستور الحكم الذاتي الذي ابتدره الحاكم العام سنة ١٩٥١.

وكان لونجيت مجموعة من علماء الدين والعمد والمشايخ والأعيان أعضاء في محلله وكانوا يظهرون في الاحتفالات الرسمية إنابة عن شعب السودان المغيَّب،
ولقد قلّد اللورد كرومر السيد علي الميرغني وساماً إنجليزياً رفيعاً عند زيارته للسودان في ٢٤ ديسمبر من عام ١٩٠٠ نظيراً لخدماته الجليلة لملكة بريطانية

وزار الخديوي الخرطوم في ٣/ ١٢/ ١٩٠١ وعبّر عن سعادته بالاستيلاء علي البلاد الشاسعة وأنعم بنياشين علي بعض كبار علماء الدين والضباط والموظفين والأهالي من ثلّة ونجيت المتسلطة ..

وفي زيارة اللورد كرومر الثالثة للسودان عام ١٩٠٣ أشاد بالمجهود التبشيري بين القبائل الوثنية في الجنوب وذكر أنهم بصدد السماح للتبشير المسيحي بين مسلمي السودان قريباً..!

سعت حكومة المستعمر إلي ربط السودان ومصر عن طريق الخطوط الحديدية والنيل والبحر الأحمر مما يسهل نهب ثروات السودان.

ويبدو جليّاً أنّ الدولة السودانية الحديثة قد قامت علي قواعد ونجيت باشا وهو ماسوني بريطاني ..أسّس أصل الدولة للجباية وخدمة مصالح دولتي الحكم الثنائي ..وميّزت الدولة السودانية موظفيها فأغدقت عليهم بالمال والبيوت والمركبات وأمدتهم بوسائل السلطة والسطوة والقهر فجعلت القضاء والشرطة تحت خدمة موظفيها ومن ينوبون عنهم من إدارات أهلية وزعماء العشائر
ثمّ تحالفت الدولة السودانية مع طبقة التجار الأجانب – ورثهم سودانيون لاحقاً – لنهب ثروات البلاد من المنتجات الزراعية والحيوانية بأبخس الأثمان وتهريب الذهب والثروات لمصالح فئات محدودة ..وما زالت دولة الجباية حاكمة وراجحة ..ونزيف الموارد مسفوحاً والسوداني مرغوماً مجبوراً مأزوماً في موطنه ..
وسارت الدولة الوطنية السودانية أو ما يّعرف بالميري علي الأسس التي قامت عليها في حقبة الحكم الثنائي .. في نفس طريق نهب خيرات السودان
وينُصح عامة السودانيين بالولوغ في خيرات الميري أو التمرّغ في ترابه إذا تعسّر الولوغ .. فصار ميري الاستعمار وأذنابه حاكماً والشعب كلّه والغاً إلا من رحم ربّي من بقية صالحة ..
تمرّدت النخبة السودانية التي تلت جيل الاستقلال مرتين علي الدولة السودانية المحفلية الماسونية الظالمة بعد الاستقلال ولكنها واصلت السير علي خطي المحتلّ حافراً بحافر ..
فكان التمرد الأول يسارياً في مايو ١٩٦٩ والثاني كان إسلامياً بعده بعشرين عاماً (٣٠ يونيو ١٩٨٩) وأجهضت المحاولتان – بعد عامين من الأولي وعشر أعوام من الثانية – بنفس المجموعات الباطنية الماسونية المرتبطة بمصالح دولتي الحكم الثنائي إضافة للولايات المتحدة الأمريكية وأذنابها الإقليميين الذين انضموا للركب مؤخراً عن اللوبي الصهيوني
ونواصل ..

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x