شكرا مصر

شكرا مصر

تأملات
جمال عنقرة

أثر مصر في تكويني، وبناء شخصيتي، واسمي وتاريخي، لا يدانيه أثر، وهو أثر ممتد منذ الجد الأمير النور عنقرة، الذي كان لمصر أيضا دور كبير في بناء شخصيته، وكما هو معلوم وراسخ عند كل السودانيين أن الأمير النور عنقرة يمتاز بخصلتين مهمتين، هما أشهر ما يميزه عن غيره، الجسارة، وإجادة فنون القتال، ويحفظ التراث الشعبي قصصا وحكاوي عن جسارة الأمير عنقرة ومما قاله فيه ود سعد “النور عنقرة جرعة عقود السم … في المحاص تلقاهو يضحك ويتبسم … جسمه بحالو بالرصاص موسم … الروح سابلها إلا الأجل ما تم” وفيه يقول الشريف زين العابدين الهندي في رائعته أوبريت سودانية “حباب النور عقيد الخيل .. عقود الشين .. عنقرة المعزة .. الأصلو ما بتلين” وعن فنون القتال نرد القراء إلى ما كتبه الأستاذ محمود أبو شامة عن معركة الشبكات في كتابه “من أبا إلى تسلهاي” تلك المعركة التي شتت فيها الأمير النور عنقرة شمل حملة النيل التي أرسلها الإنجليز لإنقاذ غردون، وقتل قائد الحملة الجنرال استيوارت، وكتب الرائد عصمت حسن زلفو في كتابه المشهور “كرري” أن الأمراء النور عنقرة، والزاكي طمل، وحمدان أبو عنجة، هم من أدخل القتال الناري علي العسكرية السودانية، وعلموا السودانيين فنون القتال الجماعي، وقد لا يعلم كثيرون أن الأمير النور عنقرة تعلم فنون القتال الناري في مصر، حيث عمل في بداية حياته في جيش الأوردي، وكان قد تجند فيه في حلفاية الملوك مع تسعة عشر من أبناء عمومته الشايقية، وكانت الحلفايا أول مستقر له بعد نزوله من اهله في الشمالية، وقضي عامين في الجيش المصري إلى أن تم فصله مع أبناء عمومته التسعة عشرا بعدما رفضوا المشاركة في حملة الدفتردار الانتقامية من أبناء المك نمر، واجادة الأمير لفنون القتال التي تعلمها في مصر هي التي حدت بالزبير باشا لتشجيعه لمرافقته إلى بحر الغزال والعمل بالتجارة، وسيرة الأمير النور عنقرة القتالية بعد ذلك، من معركة اسحف، وتحرير الأبيض، ومعركة الشبكات، وقهر جيوش الاحباش، وقتل ملكهم يعود الفضل فيها من بعد الله تعالي، إلى فنون القتال التي تعلمها في مصر.
وعلي مستوي شخصي الضعيف، فمنذ أن دخلت مصر أول مرة في سبعينيات القرن الماضي لم انقطع عنها أبدا، واعترف اني وجدت فيها ونلت منها أكثر مما وجدته ونلته في السودان، لذلك صارت مصر بلدي ووطني مثل السودان تماما، ولهذا يعجبني مزاح اختى الدكتورة هدي حامد عندما تشير إلى مصر بقولها “وطنك الأول” وفي مصر درست وتعلمت وتدربت، وفتحت لي مصر كل أبوابها، فعملت في صحفها القومية، وفي قنواتها الفضائية، وطبعت ونشرت فيها مؤلفاتي، وفتح لي أهلها قلوبهم وصدورهم قبل بيوتهم، ومع ذلك لم أقل في يوم من الأيام شكرا لمصر، ولم يعطن أحد من أهل مصر احساسا بأنه مطلوب منى شكر مصر علي ما أعطت، وقدمت، ولعل ذلك نابع من إحساسي بعمق الإنتماء إلى مصر وأهلها، ومن إحساس أهلها أني واحد منهم.
وخلال رحلتي الأخيرة إلى مصر وصلتني دعوة للمشاركة في مبادرة “شكرا مصر” التي يرعاها ويقودها السيد السيد عبدالله المحجوب الميرغني راعي السجادة الختمية في مصر، وكتبت “السيد” مرتين علي عكس ما يفعل الجميع، وعكس ما يفعل هو كذلك، لأن “السيد” الأولي حقه، فهو سيد ابن سيد من عترة سيدنا وحبيبنا المصطفي صلي الله عليه وسلم، و”السيد” الثانية اسمه، فكثيرون يظنون أن السيد هذا لقبه، واسمه عبدالله، وهو يذكر اسمه “السيد” مجردا تواضعا، وهذا ما لزم توضيحه أولا قبل الحديث عن مبادرته التي أتت في وقتها، وشعرت لأول مرة، أني وكل أهل السودان مطلوب منا أن نقول فعلا وعملا “شكرا مصر” ليس ذلك لأن عطاء مصر للسودان وأهله قد تضاعف أضعافا مضاعفة، ولكن لأنه قد ظهر سودانيون استجابوا لحملة تمزيق وادي النيل، وصاروا يسيئون لمصر، وينكرون فضلها، ويسعون إلى تحويل حسناتها إلى سيئات، والميديا تعج بمثل هذه الافتراءات والاكاذيب والجحود والنكران، وليس هذا مكان لدفع ذلك، ولكنها فرصة عظيمة التي اتاحها السيد السيد المحجوب، ومن خلفه رموز وقيادات مجتمعية عظيمة تعيش في مصر، ولقد استحسنت الكلمة المعبرة التي بثها حكيم الجالية السودانية في مصر، وربانها وكبيرها العظيم الدكتور حسين محمد عثمان حماد رئيس الجالية السودانية في مصر، وتلك دعوة لكل المحبين الأوفياء أبناء وادي النيل العظيم لنقول معا “شكرا مصر”

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x