الإتفاق الإطاري .. يمشي علي أربع

الإتفاق الإطاري .. يمشي علي أربع

تأملات
جمال عنقرة

تباطأت في الكتابة عن الإتفاق الإطاري بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو قائد قوات الدعم السريع من جهة، وبين ثلاثة من مكونات مركزية الحرية والتغيير من جهة أخري، وثلاثة مركزية الحرية والتغيير هي حزب الأمة القومي، والتجمع الإتحادي والمؤتمر السوداني، حيث امتنع رابعهم حزب البعث بقيادة الأستاذ السنهوري عن التوقيع، رفضا لهذا الإتفاق، فتباطأت في الكتابة عسي أن يظهر بصيص أمل يمكن أن يجعل من الإتفاق بارقة أمل لتجاوز السودان والسودانيين هذا النفق المظلم الذي وجدوا أنفسهم قد دخلوه دون أن يدروا، وصعبت عليهم دروب الخروج.
ومن دواعي عشمي رغم أن المبشرات لم تكن تدل علي خير، أني رجحت مبدأ حسن الظن، ثم أن المشروع يهدف إلى تسوية، ومعلوم أن الصلح خير، والمثل السوداني يقول أن الحل بالأيدي أفضل من الحل بالأسنان، والحل بالأسنان أفضل من القطع بالسكين،ولكن لما انقطع العشم عندي في أن أجد خيرا في هذا الإتفاق، لم أجد خيارا غير أن أكتب، وبصراحة ووضوح شديدين، عسي أن يعين ذلك في تصحيح ما تبقي من مسار، أو أن يرد بعض السائرين بغير وعي إلى رشدهم.
أسوأ ما في هذه التسوية التي اتخذت من الإتفاق الإطاري مدخلا لها، أن السودان والسودانيين ليس لهم دور في رسم ملامحها، ولا في تحديد مساراتها، وهي إعادة لإنتاج المشروع الأجنبي للتحكم في المشهد السوداني الذي تقوده مجموعة الدول الأربع أمريكا وبريطانيا والسعودية والإمارات، وهو مشروع يهدف إلى خلق سودان جديد لا علاقة له بماض، ولا حاضر، ولا ثقافة، ولا تراث، ولا دين أهل السودان، ويريدون له قادة من صناعتهم، ليس مطلوبا فيهم أي صفة من صفات القيادة سوي الانسجام مع مشروعهم، وهؤلاء سواء كانوا أحزاب، أو أفراد، أو أي كيانات أخري، فلكل منهم مرحلته، ومهامه، ويلقون به بعد ذلك في مزابل التاريخ، ولو تابعنا مسيرة هذا المشروع الذي ترعاه مجموعة الأربعة منذ يوم ثورة ديسمبر الأول نجد ذلك واضحا، فعلي سبيل الدول والقادة الإقليميين اختاروا إثيوبيا ورئيس وزرائها السيد أبي أحمد ليكونوا أيقونة للوساطة، فلما قضوا منهم وطرهم، قذفوا بهم في المزبلة، وذات الشئ فعلوه مع بعض السياسيين الحزبيين علي أيام التفاوض مع العسكر، وللقارئ أن يبحث عن بعض نجوم ذاك العهد أمثال الدكتور إبراهيم الأمين، والأستاذ أحمد ربيع، أما العسكريين فاختاروا منهم السيد حميدتي، واختيار السيد حميدتي أهم ما فيه أنه لا يمثل المؤسسة العسكرية التقليدية، وبالطبع لن يكون له رأي مخالف لكل ما يمكن أن يجري لها من جراحة وتشريح، وهذا هو سر بقاؤه حتى الآن في صدارة المشهد مع الرباعية، ولكنه بقاء إلى حين أن يقضوا منه وطرهم.
الرباعية ليس لها ثوابت ولا مبادئ للاختيار، فهم يلعبون بالذي يغلبون به، فشعار المرحلة أنها ضد الفلول، وضد الإسلاميين، وبنظرة إلى نجوم التوقيع نجد اشهرهم، الدكتور كمال عمر الشعبي والسيد محمد ابو زيد أنصار السنة، وهذان فلول واسلاميون، ومعهما السيدان الحسن وإبراهيم الميرغني، وهذان أيضا من الفلول، وكانا مشاركين حتى سقوط الإنقاذ، وهما أيضا قبلت بهم الرباعية حتى تقضي منهم وطرها.
منسوبو حركات المسلح، وبقايا شظايا الحركة الشعبية الذين اختاروا التوقيع علي مشروع الدستور، هم الذين ليس لديهم خيارات ولا قواعد، ولا تاريخ ولا مستقبل، أما أهل الساس والرأس حركة العدل والمساواة بقيادة الدكتور جبريل إبراهيم، وحركة وجيش التحرير بقيادة القائد مني اركو مناوي، فهؤلاء تمترسوا خلف الحل الشامل الذي يصنعه السودانيون وحدهم، ومعهم اشقاؤهم الذين يثقون فيهم، ويامنون شرهم، وموقف هؤلاء هو موقف كل الذين لديهم جذور، وسوق، وفروع في هذا البلد الطيب، وهكذا كان موقف كل الإدارات الأهلية والطرق الصوفية، وكل الأحزاب الوطنية الأصيلة، ويقود هذا التيار الوطني العريض كبير أهل السودان، وحكيمهم الحسيب النسيب مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، والرحمة والمغفرة للزعيم الإمام المجاهد السيد الصادق المهدي، الذي كان أول وأقوى من تصدي للتدخلات الأجنبية الاستلابية، وفي مقدمتها التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني، لذلك اثار كثيرون علامات استفهام وتعجب حول وفاته، نسأل الله له الرحمة والمغفرة.
أحزاب مركزية قحت الثلاثة نقل لهم السيد البرهان رسالة الرباعية، الجيش للثكنات، والأحزاب للانتخابات، وهذا ما أصابهم بخيبة كبيرة، فليس لأحد منهم نصيب ولا مقعد في حكومة العامين المتفق عليهما، وارجح صحة ما رشح من ترشيحات، ولقد نشر عدد من الصحف والمواقع أن السيد نصر الدين عبد البارئ هو أقوي المرشحين لرئاسة الوزارة، وأن الفريق أول ركن ميرغني إدريس أقوي المرشحين لرئاسة مجلس السيادة، والرجلان أقرب إلى الرباعية ومحل ثقة ومودة لبعض أطرافها.
إن الإتفاق الإطاري المزعوم مدخلا لتسوية شاملة للأزمة السودانية، لا أجد له ما يدعم فرص نجاحه، وهو لا يستند علي شئ سوي تلك الرباعية التي تريد للسودان أن يكون بلدا مختلفا، فهل يرضي أهله ذلك؟

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x