جيل العطاء

جيل العطاء


البروفيسور: أحمد عبد الله محمداني الأستاذ بكلية الطب وعميد كلية علوم المختبرات الأسبق بجامعة الجزيرة
حصل على جائزة أفضل طالب في السنة الإعدادية بجامعة الخرطوم
نال جائزة أفضل طالب في دبلوم علم الامراض بجامعة لندن
نشر له أكثر من (88) بحثاً علمياً
أشرف على أكثر من (300) من حملة الماجستير والدكتوراة
ممثل الكلية الملكية البريطانية في السودان
إلتحق بعلم الأمراض وكان عدد الإختصاصين 7 إختصاصين في كل السودان
كان الأقرب لتخصص الجراحة
*بقلم: يس الباقر
ما وأن يذكر الأطباء بمدينة ود مدني وجامعة الجزيرة إلا وتذكر أسماء وضعت بصماتها الخالدة في صفحات ذلك الكتاب المليء بالعطاء والإنجازات العلمية التي انعكست علماً وعملاً على الطلاب والمرضى ومن بين هؤلاء برز البروفيسور: أحمد عبد الله محمداني الطبيب الذي وضع اسمه كواحد من بين عدد قليل من الاختصاصين في مجال علم الأمراض في السودان..
والبروفيسور أحمد عبد الله محمداني سيره عطرة، وامتداد لجيل الذين سبقوه في مجال الطب من الذين ظلت بصماتهم العلمية محفورة في وجدان كل طالب من الذين نهلوا من علمه سواءً بكلية الطب أو بكلية المختبرات أوغيرها من الكليات التي شارك بالتدريس فيها مقدماً عصارة علمه لطلابه..
والبروفيسور محمداني من مواليد مدينة ود مدني، درس كل مراحله الأولية فيها ثم التحق بجامعة الخرطوم كلية الطب ومن ثم شعبة علم الأمراض بكلية الطب جامعة الجزيرة– نال دبلوم علم الأمراض من جامعة لندن في الفترة من 80 – 1981م، ثم زمالة الكلية الملكية البريطانية في العام 1984م، في تخصص علم الأمراض والأنسجة المريضة، وعمل نائب اختصاصي بإنجلترا لمدة 3 سنوات، ومن ثم عمل بأكبر المستشفيات في مجال البحوث في العالم وهو مستشفى (همر إسميث) بجامعة لندن، ونال جائزة أفضل طالب في الدبلوم الإكلينيكي تخصص علم الأمراض/ الأنسجة المريضة من كلية الدراسات العليا بالمملكة المتحدة بجامعة لندن، عمل مديراً للمعمل الطبي بجامعة الجزيرة، ورئيساً لشعبة علم الأمراض في الفترة من 1986 م وحتى العام 2003م، وعميداً لكلية علوم المختبرات الطبية منذ تأسيسها في العام 1997م وحتى العام 2008م، ومديراً لإدارة المعامل بوزارة الصحة في العام 2000 وحتى العام 2003م، ساهم في وضع برنامج الدراسات العليا لتخصص علم الأمراض بالجامعة منذ العام 1993م وحتى العام 2003م، له أدوار عديدة في الكثير من المؤسسات الطبية التي قامت في الولاية وعلى رأسها مستشفيات الذرّة، والكلى ومركز أبو عاقلة لمرضى السكري، بجانب قيام مركز الأنسجة، والمشرحة وتأهيل المعمل الطبي.
**السيرة الذاتية:
السيرة الذاتية له تحمل في طياتها الكثير من التفاصيل التي تدعو للفخر والإعزاز منذ لحظات ميلاده بالقسم الأول بمدينة ود مدني في العام 1948 م وما يحمله القسم الأول من معانٍ ودلالات كثيرة جداً بالنسبة لمدني، حيث نشأ في هذا الحي الكثير من المشاهير في المجالات الثقافية والرياضية والعلم والفنون المتنوعة.. وبهذا التنوع الذي يوجد بود مدني ووجود مراحل مختلفة للتعليم بدأ ب. محمداني أولى مراحل تعليمه في مدارسها والتي لا تبعد كثيراً عن الحي الذي نشأ فيه فكانت أولى مراحله التعليمية بالمدرسة الشرقية الأولية والتي كانت تقع بالقرب من الملجة القديمة وحوِّلت لاحقاً إلى مدرسة أحمد عبد العزيز، ثم بعد ذلك انتقل لمدرسة مدني الأميرية قبل أن تختفي المدارس الوسطى، ثم مدرسة مدني الثانوية، ثم جامعة الخرطوم كلية الطب..
**رغبات:
يقول البروفيسور: محمداني أن ميوله ورغبته التي تتواءم مع رغبات معظم أبناء الأسر السودانية في ذلك الزمان وبالتالي أبناءها وبناتها يتمنون أن يصبحوا أطباء نسبةً لأن مهنة الطب كانت من المهن المحترمة جداً، ولها علاقة مباشرة بالإنسان وحياته فهو أساساً كان قد درس الميثاق العلمي وفي ذلك الزمن كانت الدراسة تنقسم لمساقين علمي وأدبي ولكن لا يتقرر إلى أي الكليات سوف يذهب الطالب إلا بعد أن دخول الجامعة وقضاء السنة الأولى وهي ما يعرف بالسنة الإعدادية قبل أن يتغير الأمر الآن ويختلف، حيث يختار الطالب حالياً الكلية التي يرغب بالدراسة فيها وكان الطلاب الذين دخلوا جامعة الخرطوم في ذلك الوقت- وهي كانت الجامعة الوحيدة- قد درسوا سنة إعدادية، ثم امتحنوا امتحان تصفية الـ”60″ الأوائل يذهبون للطب، والذين يلونهم للصيدلة، والذين يلونهم إلى البيطرة، ثم كلية الزراعة، ثم كلية العلوم.
ويرى بروفيسور: محمداني أن هذا الترتيب يمثل خطأً كبيراً لأن العلوم هي أساس التطور والتقدم، وكون أنها تكون أضعف رغبة لأضعف طلاب إذا كان الامتحان هو مقياس لمستوى الطلاب فهذا أمر محزن، ففي هذه المجموعة كان عدد الطلاب حوالي 400 طالب وتحصل البروفيسور محمداني على جائزة أفضل طالب في السنة الإعدادية..
**زيادة أعداد:
ويستمر البروفيسور: محمداني في سرد ذكرياته الجميلة والشيقة في جامعة الخرطوم ويقول: إن كلية الطب كانت تستوعب (60) طالباً ولكن في تلك السنة وتحديداً في عام 1968 تم رفع العدد إلى 120 طالباً بعد محاولات جادة جداً مع الرئيس المرحوم الزعيم الوطني إسماعيل الأزهري، وتم زيادة العدد إلى 60 طالباً فأصبح عدد طلا ب الدفعة 120 طالباً، وعند التخرج كان عددهم 81 خريجاً تساقط نحو 39 طالباً أثناء الدراسة منهم من تحول لكلية أخرى ومنهم فُصل ومنهم من ترك الكلية لأسباب مختلفة..
فالحياة في جامعة الخرطوم كانت بمستوى لا يمكن وصفه، فكل الذين قبلوا كانوا يجدون الرعاية والإهتمام. يقول البروفيسور محمداني: كان لكل طالب منا غرفة، وهنالك من يعتني بملابسه للغسيل، ونمنح ثلاث وجبات مجاناً، وأيضاً يوجد سرير داخل الغرفة وآخر في فناء الحوش، وشاي العصر، وعصير ليمون لأن بعض الطلاب قالوا إنهم لا يشربون الشاي. وكان الأكل عبارة عن وجبات متنوعة: “سمك، وفراخ، وكبده وعدس، ومربى، وجِبنة، وفول” وأنا أعتقد أن هذا الوضع ليس صحيحاً! فالاعتماد على النفس هو نوع من التربية ربما بعض الناس الذين هم أساساً مهيأين لهذا الأمر يصبحون وكأنهم في أبراج عاجية يبتعدون عن الناس، ومرحلة الدراسة في الجامعة كانت حياة حقيقة، كان فيها نوع من البذخ والوفرة الزائدة والإنسان يحتاج لأن يعتمد على نفسه بعض الشيء لكي يصبح أكثر فائدة..
**زملاء دراسة:
وعندما کانت جامعه الخرطوم هي الطموح والعشق الوحید الذي ینافس علیه کل طلاب السودان، فقد احتضنت کلیة الطب فیها مجموعة مقدرة زاملت البروفیسور: محمدانی بالکلیة وأصبحوا فيما بعد أرقاماً مهمة في مجال الطب داخل وخارج والسودان ومن زملائه في الجراحة عثمان محمد الحسن (بركات)، وعبدالرؤوف شرفي، وعبدالرحمن عبدالعزيز، وبشرى دومي، وشريف الحاج، وعلي زكي، ومصطفى فضل، والباقر علي الفكي، وعثمان حمور، وفي الباطنية نوال كردفاني ( قلب)، وعبدالرحمن علي (كُلى)، وفضل محمد فضل (أذن وأنف وحنجرة)، وعبدالسلام محمد عثمان (باطنية)، ومقبول محمد على مقبول، وعمر الدرديري (تخدير)، وعبدالوهاب الترابي، وإبراهيم عبدالغني (أطفال)، وعطية زين العابدين (طب المجتمع)، وماريا ساتي (أمراض دم)، وستنا شمس الدين الشافعي (أحياء دقيقة)، هذا على سبيل المثال وترحم على الذين رحلوا من دفعته.
**مستشفي ود مدني:
ولما كانت مستشفى ود مدني؛ هي المستشفي الوحيد في المدينة ذلك الوقت والذي يمثل واجهة مهمة لكل طالب طب وطبيب ومتدرب، كان يأتي البروفيسور محمداني في الإجازات متردداً على مستشفى ود مدني هو وزملاؤه وهم طلاب في السنة الأولى بكلية الطب والتي تمثل بالنسبة لهم السنة الثانية في الجامعة ويتم تعيينهم على العون الذاتي بمبلغ 12 جنيهاً وكانوا يعملون وكأنهم أطباء امتياز حتى أن بعض الممرضين والفراشين حتى هذه اللحظة يعتقدون أنهم من خريجي العام 1970م وذلك لأنهم كانوا يدخلون العمليات وهم طلاب. وبعد أن أكمل الدراسة أصبح طبيب امتياز والامتياز في تلك الفترة كان عام وثلاثة شهور فقط لكل من الأقسام الرئيسة وهي: الجراحة، والأطفال، والباطنية، والنساء، والتوليد، وبعد الفراغ من الامتياز تم تعيينه طبيب عمومي، وكان ذلك في العام 1974م– 1975م.
**كسلا الوريفة:
بعد العام الأول وقضاء فترة الامتياز، انتقل البروفيسور محمداني لولاية كسلا في يناير 1975م وقضى بها فترة خصبة وسط حفاوة أهلها الطيبين وكرمهم الفياض، ويشيرمحمداني إلى أن التدريب الذي تلقاه كطبيب امتياز مكّنه من إجراء أي عملية تخطر بالبال حيث أجرى حوالي 26 عملية قيصرية وهو طبيب امتياز بمستشفى ود مدني التعليمي، وعندما ذهب لكسلا كان جاهزاً حتى أن الجراح الموجود وقتها دكتور حسن أبو الروس عندما رأى مستوى العمل الذي كان يقوم به خصوصاً في الجراحة قال له: أنا مسافر لخارج السودان وأنت من اليوم مسؤول عن الجراحة في الولاية. وبالفعل قد كان ولمدة 3 سنوات مسؤول الجراحة في ولاية كسلا بجانب مسؤولياته الأخرى في النساء والتوليد والإصابات الأخرى، وكانوا يرسلون له نواب الاختصاصين للتدريب من الخرطوم لينالوا شهادات الجراحة..
**في الذاكرة:
بالطبع أن ذاكرته لا تزال تذكر بعض الذين تدرب أو عمل معهم بمستشفى ود مدني وجامعة الجزيرة فمنهم من توفي عليهم رحمة الله نسأل الله أن يتقبلهم ومنهم من هو موجود ولا زال يواصل عطاءه في الباطنية.. كان بالمستشفي المرحوم البروفيسور صلاح عبد الرحمن علي طه، وفي الجراحة البروفيسور صلاح طه – رحمه الله، ودكتور سنهوي مد الله في أيامه ومتعه بالصحة والعافية، ودكتور يحي عبد الرحيم رحمة الله، ودكتور أبو زيد عطا المنان رحمه الله، ودكتور حسن خلف الله؛ هؤلاء الأطباء وغيرهم استفاد منهم كثيراً، ومحمد حسين، وعوض محمد أحمد، والهادي الزين النحاس، وفائز أمين السني، ومحمد عوض الله صالح، وحافظ الشاذلي، وفيصل يوسف عامر، وعبد الجليل.. وذكرياته الجميلة لم تبارح من عمل معهم في الحقل الطبي من قامات التمريض ومحضري العمليات وعلى سبيل المثال: العم عبد الوهاب الشايقي، والعم محجوب، وعلي الزبير، ويوسف نور الدائم والخير، والعم نجم الدين، والكثير من الرعيل الأول من الذين أرسوا الدعائم الأولى للتمريض بمستشفى ودمدني..
**تحديات مهنية:
إن أي عمل مهما كانت مقدرة المرء في التغلب عليه إلا أن بعض الصعوبات قد تواجه الفرد فيه البروفيسور محمداني يقول: لم تواجهني صعوبات تذكر لأن الحياة كانت منسابة ومنظمة جداً وأن وجودي في مدني ووسط أهلي ومحدودية أعدادنا وكنت أسكن في الميز. في ذلك الوقت المرتب كان كافياً للإعاشة ويزيد ويمكن لك أن تمد أهلك بما تستطيع، وكان الراتب عند التخرج 54 جنيهاً فقط سهل لي كثيراً وهذا الراتب يعد أعلى راتب لخريج لأن مدة دراستنا ست سنوات وكنا نمنح علاوتين في ذلك الوقت والعلاج كان يمنح لنا مجاناً بالعون الذاتي على حساب المستشفى ولذلك ينزاح عنك الهم والتفكير وراء اللهث عن أشياء ناقصة وكانت كل الأشياء متوفرة..
**مواقف إنسانية:
لم يخفي البروفيسور محمداني أحاسيسه وشعوره وهو يسترسل في كثير من المواقف التي مرت به كطبيب في مهنة الطب وهي مواقف إنسانية نبيلة يتجسد فيها الإحساس والشعور بمعاناة الآخر تمر كالعادة على الإنسان وفي حياته الكثير من تلك المواقف، ولكنه استشهد بموقفين الأول: قصة شابة ظهر لها ورم في الثدي كان وزنه أكبر من وزن الطفل المولود وكانوا هم كأطباء يزيلون فيه بالمشرط فأي قطعة بها شريان ووريد وكان الدم ينزف بغزارة ولكن بفضل الله ورغم التعقيدات الكبيرة التي واجهتهم، ورغم ما حدث لهم من توتر شديد تمت العملية بسلام وخرجت المريضة في أمان الله.
والقصة الثانية التي حكاها وهو طبيب امتياز أنه أتى والد بابنه من منطقة جنوب الجزيرة بإحدى القرى الواقعة بالقرب من سنار لمستشفى العيون والطفل حضر للمستشفى محولاً من قسم العيون بعد أن وجدوا أن لديه تضخماً في الطحال فحولوه للباطنية ووقتها كان البروفيسور محمداني في وظيفة طبيب امتياز والنقطة التي جعلته يفكر كثيراً في حالة الطفل هو لماذا ذهب للعيون؟ وبين سطور هذه الأسئلة اكتشف بأن الطفل يعاني من مرض العشا الليلي وكادت عيونه أن تفقد البصر قرر له فايتمين ( أ) وهو العلاج الأساسي ولكنه كان غير موجود في الصيدلية وقام الصيدلي حسن عبد الوهاب بإحضاره من السوق على حساب الصيدلية وهذا الطفل بعد ثلاثة يوم كان يرى مثل الآخرين واختفى كل التغير الذي كان يظهر له في سواد العين وهذه أيضاً قصة حدثت منذ العام 1974م ولا زالت مرتبطة في ذهنه فهو يحكي هذا المواقف وهو في غاية السعادة حتى هذه اللحظة لأنه ساعد في إنقاذ طفل من العمى .
**تحول مهني:
إن عمله المتواصل بقسم الجراحة شكل له رغبة عالية في التخصص في هذا المجال. يقول بروفيسور محمداني: أنا أكثر ما عملت كان في أقسام الجراحة وعندما تقدمت لجامعة الجزيرة كانت رغبتي الالتحاق بقسم الجراحة وحتى عندما تقدمت كان طلبي الإنضمام للجامعة هو العمل بقسم الجراحة ولكن في آخر شهر غيرت رأيي لعلم الأمراض..
وعزا البروفيسور محمداني هذا التغيير لأسباب خاصة وجد نفسه لا ينام الليل في ذلك الزمن ودائماً ما يحضر للمستشفى في أوقات باكرة ويخرج منها حوالي الساعة الرابعة صباحاً فضغط العمل المتواصل مع إلتزامه الأسري.
والشيء الثاني في ذلك الوقت ولا زال، أنت كجراح يمكن أن تقوم بعملك على أتم وجه ولكن تحتاج لمراقبة المريض وما يحتاجه من أشياء أخرى قد تكون مرات عديدة هذه غير متوفرة وتحدث مشاكل وإذا حدثت مشاكل للمريض تنسب إليك كجراح ولا تنسب للظروف الأخرى.
والشيء الثالث علم الأمراض هو علم واسع ويطلقون عليه العلم خلف الشفاء لأن حقيقة الأورام والالتهابات وغيرها من الأمراض من يحدد ماهية العلاج هو المعمل وعلم الأمراض بالذات فهو مجال واسع والسعادة التي شعرت بها بعد أن تخصصت وتعمقت فيه وجدته بأنه علم واسع ويساعد الناس وربما وراء الكواليس لأن هناك قليل من يفهم ما هو الدور الذي يقوم به علم الأمراض.
**تعريف بالعلم:
البروفيسور: محمداني لم يغفل دوره كأستاذ جامعي في التعريف بعلم الأمراض وسط الشرائح المختلفة ودعا للكتابة بتوسع عن هذا العلم ودوره في التشخيص والأبحاث، وأشار لأهميته ودوره في إجراء البحوث. ولفت إلى أنه لا يمكن إجراء أي بحث دون المعمل إلا ما ندر وأن أي شخص لديه حمى أو يريد أن يكشف عن الفيروسات والأورام الخبيثة والحميدة لا يتم إلا عن طريق المعمل
وطرح البروفيسور محمداني سؤالاً جوهرياً أين تكتشف هذه الأشياء بخلاف المعمل؟ ماعدا قلة قليلة من الأشياء لا تحتاج لذلك فهو الطب المبني على الأدلة والطب المبني على البراهين وأقوى برهان موجود هو برهان النتيجة المعملية الصحيحة، فمثلاً المريض الذي يشتكي من أعراض في الكلى لا أجزم بأنه مريض كُلى مالم أفحص له البولينا والكرياتينين وعلى ذلك فقس بقية الأمراض التي يرتبط تشخيصها بالمعمل..
**فرحة غامرة:
لم يخفي البروفيسور محمداني تأثيره الكبير على بعض تلاميذه وأبنائه. يقول بغير أبنائي فإن أبنائي الطلاب عموماً تأثروا بي منذ زمن الدراسة في الجامعة وكثيراً منهم سافروا لإنجلترا وغيرها من الدول وتخصصوا وأصبحوا شخصيات عالمية في مجال علم الأمراض كل واحد منهم يحكي ذلك التأثير ويأتي ويقول لي بأنه تأثر بي في هذا التخصص من أيام الكلية فمنهم من إستشارنی أما أبنائی البنت الكبرى مناهل تبقى لها الجزء الأخير من تخصص الأطفال البريطاني، وإيمان درست هندسة طبية ونالت ماجستيراً في الجودة، وجلال نال زمالة الباطنية البريطانية، وتقوى درست هندسة معمارية جامعة الخرطوم والآن تعمل فى شركة هندسية، وآخرهم مجتبى تخرّج في جامعة الرباط تخصص ترجمة عربى- إنجليزي. أما زوجته الفضلى البروفیسور: سميرة حامد عبدالرحمن تخرجت في كلية الطب جامعة الخرطوم، وتخصصت فی طب المجتمع وهي أول من نال درجة الأستاذية من المحاضرات بجامعة الجزيرة، وعملت في شعبة طب المجتمع ثم عميدة لمعهد النيل الأزرق للأمراض السارية، ثم عميدة لعمادة البحث العلمي والابتكار بجامعة الجزيرة، ومستشارة لمنظمات عالمية فى مجال صحة المجتمع.
**كلية الطب:
ويروي البروفيسور محمداني أن تفاصيل إلتحاقه بكلية الطب جامعة الجزيرة بدأت بوجود إعلان وظائف بالجامعة وكان وقتها يعمل بمدينة كسلا، قدم لتخصص الجراحة إلا أنه في آخر اللحظات عندما أتي للمعاينة طلب الدخول لمجموعة علم الأمراض فوافقوا له على ذلك وعندما سئل من قبل اللجنة والتي كانت تضم البروفيسور: نصر الدين محمود أول عميد لكلية الطب، والبروفيسور: عوض السيد مصطفى الكرسني رحمه الله عن لماذا غيّر رأيه من التخصص في الجراحة لعلم الأمراض والطلب الذي أمامهم هو الالتحاق بقسم الجراحة؟ فكان رده للجنة أن الطب حاجة واحدة مرتبطة مع بعضها، وهذا التصنيف أصبح لضرورة زمنية عملية .
ويكشف البروفيسور محمداني أنه عندما أتى لعلم الأمراض كان يوجد حوالي سبعة اختصاصين في علم الأمراض في السودان والآن العدد تضاعف وقارب الأربعمائة وأكثر وتفهم الناس هذا التخصص وأصبح عليه إقبال كبير. يقول: نحن أنشأنا برنامجاً لتخصص علم الأمراض بجامعة الجزيرة في عام 1993م وخرج أكثر من (70) طبيباً وطبيبة بدرجة الدكتوراة في علم الأمراض منهم 4 بدرجة البروفيسور من الدفعة الأولى وهم: الجيلي محمد الجيلي، وأحمد عبد البديع، وأحمد محمد إبراهيم، وإسماعيل عبد الرحمن، وحسام الدين عمر.. ومن الدفعة الثانیة هند عثمان طه، وسارة صالحين، وكنان سنهوري وغيرهم، والحمد لله هذا التخصص استوعب عدداً مقدراً. وهناك برنامج آخر لعلم الأمراض في الخرطوم، وفي السودان كله يوجد برنامجين أحدهما في الخرطوم والثاني بجامعة الجزيرة في مدني الشيء الآخر الآن أصبحت لدينا علاقات مع الكلية الملكية البريطانية لعلماء الأمراض، وممثلاً للكلية الملكية البريطانية لعلم الأمراض في السودان، وهذه ستفتح أبواب جديدة للذين يرغبون في إمتحان الشهادة البريطانية يمكن أن يمتحنوها في السودان بأجزائها المختلفة وحقيقة.
إن عطاء البروفيسور محمداني لم يكن محصوراً على جامعة الجزيرة وحدها بل امتد لخارج السودان ما مكنه من الإشراف على أكثر من (300) طالباً وطالبة في الدراسات العليا لدرجتي الماجستير والدكتوراة داخل وخارج والسودان وتقييم أكثر من (20) متقدماً لدرجة الأستاذ، والأستاذ المشارك من داخل وخارج السودان.
**مستقبل واعد:
ويرى البروفيسور محمداني أن مستقبل علم الأمراض يمضي في توسع ومعمل جامعة الجزيرة عندما بدأ وهنا لابد أن نذكر أستاذنا البروفيسور: عوض السيد مصطفى هو الذي بدأ تأسیس هذا المعمل وأنشأه بأقسامه المختلفة في بداية العام 1978م وعلى الناس أن يتخيلوا قبله كانت تذهب عينات التيفويد والسكري وهبوط الكلى إلى معمل إستاك في الخرطوم من جميع أنحاء السودان ثم عينة الأنسجة مستحيل ترسل إستاك وتنتظر النتيجة بالتلغراف كانت خدمة في ذلك الوقت مقدرة ولكن عايز الناس تتخيل إنوا فى كل ركن من أركان ود مدني أصبح يوجد معمل لفحص التايفويد والبولينا والسكري وأيضاً معمل هناك بعض المعامل تجري فحوصات الأنسجة وهي نفسها تطورت..
**حقائق علمية:
ونبه البروفيسور: محمداني لحقائق علمية مهمة وهي أن علم الأمراض عندما تبدأه كتخصص تشعر بأنك تائه فمثلاً الأنسجة المريضة ويذكر بأن الدماغ فقط يوجد فيه من الأورام مالا يقل عن 50 نوعاً مختلفاً ويجب أن تتعرف على كل نوع في العينة التى يتم إحضارها من المريض، وفي الجلد يوجد مالا يقل عن 150 حالة رئيسة وفي الجهاز الهضمي والأنف والأذن والحنجرة والعظام علم قائم بذاته البروستات والجهاز التناسلي عند المرأة وعند الرجل والجهاز الهضمي الأنسجة والدهون والقصة معقدة والأهم في تشخيص الأورام أنك ما تتهور وتتسرع فى إعطاء التشخيص بسرعة لأن اليوم الذي تكتب فيه أن فلاناً مصاب بسرطان في المعدة احتمال اليوم الثاني تزال معدته لذلك ما لم تتأكد تماماً لا يمكن أن تصدر تقريراً لأنه على الأقل يمكن أن يعطي علاجاً كيمائياً أو خلافة وهذه لديها مشاكلها ولذلك واحد من الأسرار إنوا ما نكون بطیئین ولكن يجب أن لا تستعجل في كتابة التقرير الخاص بهذا النوع من الفحوصات..
**التطور العلمي:
ويستشهد البروفيسور محمداني في أن مسألة التطور في مجال علم الأمراض تنقسم لقسمين وفي السودان من ناحية بشر هذا العلم يواكب التطور وأكثر، ولكن من ناحية إمكانيات لا يواكب بالدرجة المطلوبة. هناك مواكبة ولكن بتدرج بطيء جداً مثلاً يوجد ما يسمى بالمناعة الكيميائية في الأنسجة هذه مكلفة جداً ولكنها تساعد في تطوير التشخيص وعلم الجينات الخلوي والجينات أصبحت تدخل في التشخيص وتساعد في العلاج هي أيضاً متعثرة الدخول للسودان الكيمياء النسيجية المناعية دخلت وموجودة عندنا في مدني لكن ما كل الأشياء المطلوبة وإنما أشياء أساسية 10 أنواع لأنك قد تكون محتاج إلى 50 نوعاً والمتواجدون يفهمون المطلوب فقط العين بصيرة واليد قصيرة..
**نصيحة غالية:
ووجه البروفيسور: محمداني النصح ويمضي بالقول أن هذا العلم وهذا التخصص وهذه المهنة مهنة إنسانية ولكن الذي يأتي إليها وهو يفكر في النواحي المادية خير له أن لا يأتي لأنه لو كان طبيبا صادقاً في عمله وعمل بنية صادقة وساعد المرضى فالنواحي المالية بالقطع تأتي لوحدها ونصيحتي للذين يودون الالتحاق بالطب أن يأتوا بنية صادقة لخدمة الإنسان المريض وهي دراسة صعبة والعمل فيها فى المستقبل أيضاً صعب ويحتاج لصبر ونكران ذات وأحياناً تكون في وردية منذ الساعة التاسعة لا يغمض لك جفن حتى صلاة الصبح ويستلم منك العمل آخرون الساعة الثامنة مهنة تحتاج لصبر ولكنها ممتعة المتعة التي فيها إنك تساعد مريض لأنك ستشعر بفرحة عندما يأتى إليك المريض ويقول لك الحمد لله، وتحزن كثيراً إذا فشلت في العلاج أو توفي المريض قبل أن تتمكن من إسعافه وهذا قليل من كثير عن مهنة الطب؛ هي مهنة انسانية إذا احترمتها تحترم من جانب المجتمع احتراماً ليس له مثيل، وإذا لم تحترمها فربما تتعرض لبعض المشاكل..
**بحوث علمية:
البحوث المنشورة في مجال العلوم بالجامعات والمراكز البحثية تمثل مصدراً مهماً للترقي، لذا وجدت البحوث العلمية مساحة عريضة عند البروفيسور: محمداني فرفد مكتبة الكلية وقاعاتها بالكثير من البحوث التي شارك بها فى المؤتمرات المحلية والعالمية، حيث وصلت بحوثه المنشورة إلى 88 بحثاً، وقام بتأليف 4 كتب.. ويشير بروفيسور محمداني أن أشهر بحث وأهم قدمه هو بحث أبوال الإبل في علاج الاستسقاء، ووجد هذا البحث رواجاً كبيراً وأدخلهم للعالمية. والآن بناءاً على هذا كنا بصدد القيام بإجراء بحث ومازلنا عند علاج السرطان بأبوال الإبل في السعودية تم هذا الأمر واتضح أن أبوال الإبل لديها أثر كبير في الكثير من أنواع السرطانات..
واعتبر أن مشاركاته في مؤتمر الطب النووي التطبيقي الأول الذي أقيم في أبها في السعودية في عام 2002م من المؤتمرات المهمة والذي تم فيه تقديم بحث أبوال الإبل، وقدم بحوثاً علمية بحتة عن مسألة الحبة السوداء، وعن زيت الزيتون، وألبان الإبل، وعن الحجامة والحجامة أثبتت بطريقة علمية أنها مفيدة ولكن طبعاً تحت إشراف مختصين والسعودية سمحت بها ولكن لابد من أن تكون تحت إشراف طبيب للتأكد من الأماكن الحساسة في الجسم وعدم انتقال العدوي للآخرين.
آخر ما قرأه عن حمى الضنك وهي منتشرة فى مناطق عديدة في شرق السودان، ويعتقد أن بعض الحميات ربما تكون هي حمى، بسيطة فيروسية، وآخر ما قرأت أنه اكتشف مادة بروتينية تابعة لهذا الفيروس استخدمت كمحصن وبالتالي يرى العلماء الذين قاموا بهذا العمل إنه يمكن السيطرة على هذا المرض عن طريق هذا التحصين والذي يمثل بشرى كبيرة لمئات الملايين من المرضى فى كل أنحاء العالم..
**أحلام طبية:
دعا البروفيسور: محمداني بأن يعود للمستشفيات كل لأطباء الماضي بكل ما فيه من جمال وأن يكون الهدف الأول والأخير هو خدمة المواطن والمجتمع السوداني.. وتمنى أن ييسر الله حال السودان حتى تلجأ إلينا كل الدول التي من حولنا كما فعلوا في الماضي وختم بالقول نحن الذين عملنا أول عملية زراعة كلى في العالم العربي والإفريقي عام 1972م بما فيه جنوب إفريقيا والمواطن الذي زرعت له الكلية كان مواطناً سعودياً وتبرع له ابنه.. فالنرى أين نحن الآن؟.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x