نظرات في وثيقة ودستور أسيادنا (٨)
(حقوق المرأة ج٢)

نظرات في وثيقة ودستور أسيادنا (٨)(حقوق المرأة ج٢)

ألسنة وأقلام

بابكر إسماعيل

ونواصل في هذه الحلقة نظراتنا فيما ابتدرناه في الحلقة السابقة من النظر في حقوق المرأة والمقارنة بين الوثيقتين العلمانيتين وهما وثيقة مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة والوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ فإلي مكامن النظرات:

ننتقل في هذه الحلقة إلي البند التالي من حقوق المرأة في مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة وهو:
(13) – (3): تتخذ الدولة تدابير التمييز الإيجابي لتعزيز مشاركة النساء في جميع أجهزتها وفي كافة المجالات بما في ذلك تملك الموارد (١).
حيث تم تعديل هذا النص الذي ورد في المادة ٤٩ (٣) من الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ بالصيغة الآتية:
٤٩ (٣): تضمن الدولة حقوق المرأة في جميع المجالات وتعززها من خلال التمييز الإيجابي (٢).
ونلاحظ أن صيغة مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة أكثر إلزامية وتفصيلاً
(تتخذ الدولة تدابير التمييز الإيجابي لتعزيز مشاركة النساء في جميع أجهزتها).
فماذا يعني ذلك عملياً ؟
أجهزة الدولة المعروفة هي:
الجهاز التنفيذي
الجهاز التشريعي
الجهاز القضائي
واتخاذ تدابير لتعزيز مشاركة النساء (استعيض عن المرأة هنا بالنساء) في جميع أجهزة الدولة وهذا قد يعني تحديد نسبة ٥٠٪؜ في كل أجهزة الدولة المذكورة أعلاه لتعزيز التمييز الإيجابي
وتعديل الصيغة من المرأة للنساء يعطي شمولية لهذا التمييز منذ سنين الطفولة وحتي بلوغهن طور القواعد من النساء.
وقد تحدثنا في حلقة سابقة عن أن التمييز هو ممارسة تعارض المادة 12 من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة ذات نفسها – ولا فرق بين كون التمييز إيجابياً أو سلبياً. لأنه كما بيّنا سيصير امتيازاً وحقّاً يصعب التنازل عنه لاحقاً.

وننتقل إلي البند التالي في حقوق المرأة:
(13)-(4): إلغاء أو تعديل كافة القوانين والتدابير التي تنص علي التمييز ضد المرأة والعمل علي مناهضة العادات والأعراف التي تقلل من كرامة المرأة وتحط من قدرها (١).

هذا البند عُدّل من صيغة الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ التي اكتفت بالآتي:
٤٩( ٤): تعمل الدولة علي محاربة العادات والتقاليد الضارة التي تقلل من كرامة المرأة ووضعيتها (٢).
والنص الحالي أقوي وأمضي ففيه إلغاء لقوانين سارية وفيه مناهضة للعادات والتقاليد الضارة والأخيرة يفهم منها مناهضة العادات والتقاليد النابعة من الدين الإسلامي ولا يقصد بها العرف المجرّد من الدين إذ لم يعلم ممارسة عادة وأد البنات في السودان، والمعلوم أن عادة مثل ختان الإناث هي عادة ضارة آخذة في الاندثار بفضل التشريعات السابقة التي تجرّم الخفاض الفرعوني. كما أنّ الزار مثلاً صار تراثاً تسمع عنه الأجيال الحالية دون أن تراه وما بقي بعد ذلك من التقاليد مثل الحجاب والولي في الزواج والسفر بمحرم الخ … فهذه كلها موروثات لها أصل في ديننا.
وننتقل إلي البند قبل الأخير في حقوق المرأة:

13.(5): تتخذ الدولة التدابير الكفيلة بالقضاء علي كافة أشكال العنف ضدّ المرأة.(١)
وهذا النص مستورد من الثقافة الغربية إذ يضرب كثير من الرجال المخمورين وغيرهم زوجاتهم أو بالأحري أخدانهم في الدول العربية .. ولم تستح لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة أن تورد نصّاً غريباً عن قيمنا وعاداتنا ويتحدث عن ممارسات لم ترد عندنا إلا في نطاق محدود ويجعلوها بنداً في مسودة دستور لأمة يوصيها نبيها بالنساء خيراً وهو علي فراش الموت ويستعير للرفق بالنساء وصف القوارير “رفقاً بالقوارير” ولشعب يفتخر الرجل فيه بأنه مقنع كاشفات وعشا بايتات وأخو البنات وتسمّي بعض قبائله المولود الذكر بعد عدة بنات بعبد البنات .. إنهم لا يستحون أن يشرعوا لنا تشريعاً من ثقافة مستوردة ولم ينتظروا حتي يستجلبوها لنا واستبقوا ذلك بوضع التشريع لها .. ولكن أظنّ أن لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة والمنبتة تعلم أنها بعد إباحة الخمور المتوقعة بعد إجازة مسودة دستورهم سيكون هنالك من يضرب زوجته..!
والجدير بالذكر أن الشرطة البريطانية سجّلت ٨٤٥،٧٣٤ حالة عنف ضدّ المرأة في العام ٢٠٢١ وحده بزيادة قدرها ٦٪؜ عن العام السابق وتبارك الله وعيننا باردة (٣).
أما في أمريكا فالأمر أدهي وأضلّ فقد ذكرت مسح احصائي أجراه مركز معلومات التحكم في الأمراض CDC وهي مصلحة حكومية تتبع لوزارة الصحة أن ٤٦٪؜ من النساء يتعرضن للعنف المنزلي وكذلك ٢١٪؜ من الرجال (٤). والعنف المنزلي هذا لم يعرف كظاهرة عندنا منذ عهد الكنداكة أماني ريناس وحتي عهد الكنداكة حنان أم نخرة.
ويحمد للوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ (إن كان لها محامد) أنها لم تورد هذا النصّ المستجلب والدخيل علي ثقافتنا.

وحان الآن لنختم بحثنا في باب حقوق المرأة بالنص الأخير في هذا الباب:
13.(6): تكفل الدولة الصحة الإنجابية بما في ذلك توفير الرعاية الصحية المجانية للأمومة (١)
وفي هذا النص تراجع عن النصّ الذي ورد في الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ والذي يقول:
٤٩ (٥): توفّر الدولةالرعاية الصحية المجانية للأمومة والطفولة والحوامل (٢)
وكما هو بادٍ للعيان فإن النصّ بإلزام الدولة بتوفير الرعاية الصحية للأمومة والطفولة والحوامل أمضي وأقوي من مطالبتها بكفالة الصحة الإنجابية ..
ويقصدون بكفالة الصحة الإنجابية توفير حبوب منع الحمل والواقي الذكري تمشياً مع المواد التي تبيح للمرأة إقامة العلاقات الجنسية قبل الزواج وخارج إطار العلاقة الزوجية ..

لا أدري لِمَ يُصرّ العلمانيون السودانيون علي محاداة الله ورسوله .. وأن يجعلوا من كلام الله وأوامره ونواهيه غمطاً للحقوق النسائية للمرأة لماذا هم مهووسون بالمرأة والنسوية وحقوق الجندر والمثليين..؟

ذلك لأن جوهر النظرية المادية هو الصراع المبني علي نظريات نيوتن في الحركة وصراع الطبيعة من أجل البقاء وحركات الذرات الدائمة للمادة في مداراتها ..

“يعتبر الصراع هو الوقود المحرّك للعلمانية الدهرية الدنيوية .. وهو الذي يعطي العلماني الدهريّ الهدف من حياته ..
فشغلت النساء بالتمركز حول الأنثي .. وأوجدوا للبقية أهدافاً أخري مثل الدفاع عن حقوق المثليين أو الدفاع عن البيئة أو جمعيات الرفق بالحيوان ومناهضة العنف ضد المرأة واستغلال الأطفال الخ …”
انظر لسلسلة مقالاتي ف بعنوان “مفاهيم علمانية”.

ونواصل
————————————————————
المراجع:
١) مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة https://www.shorouknews.com/mobile/news/view.aspx?cdate=11092022&id=98c5b0af-452e-47fe-b7d4-53e1d456142e

(٢) الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ https://moj.gov.sd/files/index/28

‏(٣) https://www.ons.gov.uk/peoplepopulationandcommunity/crimeandjustice/bulletins/domesticabuseinenglandandwalesoverview/november2021#:~:text=Police%20recorded%20crime-,Domestic%20abuse%2Drelated%20crimes,ending%20March%202020%20to%20845%2C734.
‏(٤) https://www.cdc.gov/violenceprevention/intimatepartnerviolence/fastfact.html#:~:text=Data%20from%20CDC’s%20National%20Intimate,related%20impact%20during%20their%20lifetime.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x