مراجعات على دفتر التيه والضجيج

مراجعات على دفتر التيه والضجيج

وجع ضُرس

لم أكتب يوماً ليقرأني أحد .. كل تدوينة هنا هي شهيقٌ وزفيرٌ ليس إلا .. لا أقصد بها سوى مخاطبة وهمٍ إختلقه خيالي
ووسيلة لبعث الروح في الورق .. ما أبعثره من حروف هنا .. ليس شكلا أدبياً بأي صورة ولا أقبل أنا نفسي أن يكون كذلك، كل ما كتبته هنا صالح للقمامة تماماً.
كنت قبل سنوات أعمل مساعداً لشؤون الإدارة لأحد رجال الأعمال حيث تربطنا صلاة كثيرة، إنتدبني صاحب الشركة ذات مرة للعامصة التشادية إنجمينا، تفجأتُ بالخبر ولأنني أعشق كل ما هو جديد وعندما يصبح قديماً أتركه، مثلي كمثل الشعب السوداني في تعامله مع حمدوك فما بين شكرا حمدوك ووصفه بضعيف الشخصية بضع أيامٍ قلائل.
وافقتُ فوراً بعد أن علِمتُ بأن الراتب دولاري .. وأن الشركة ستتكفل بكل مصرفاتي هناك ، ربما فأجاتهم بسرعة موافقتي .. أخذني المدير الى مكتبه وطلب مني قفل الباب من خلفي .. وقال هامساً يا عبد الكريم (يا أخوي دي تشاد يعني بلد جديدة عليك وناس لا بتعرف ليهم أول ولا أخر .. دي ما بورسودان كدي أمشي استخير وشاور أبوك وكلم زوجتك).. رددتُ عليه بآيماءات وهمهمات لم يفهمها، بعد سبعة أيام بالتمام والكمال من ذاك الحوار كانت طائرتي تحط في مطار حسن جاموس في مدينة انجمينا الوديعة التي يصعب نسيانها فهي محطة في الذاكرة، اذ انها تتسم بالواقعية في كل شئ والتي يغلِبُ عليها قساوة طباع قاطنيها، لم أستخر ولم اشاور أحداً قط، كان منطقي أن هذه الطائرة التي ما فتئت أن تقلني لن تقف حيال عودتي حتماً سأعود بها سريعاً إن لم يعجبني الحال فلِم العجلةُ قبل التجربة، كانت تجربةً ثرةً عرفت وشاهدتُ فيها الكثير والمثير فأنا مصنفٌ ضمن أبناء المصارين البُيض ود الخرطوم الما شاف الأقاليم الا في الجامعة.
هكذا هو حالي في كل الحياة، لا أخنع لواقع الأشياء ولا أرضى بالقليل .. فمعروف للجميع أنني غير مستقر .. لم أبرر لأحد يوما أن لدي أسبابي ودوافعي كنتُ أضحك، فدائماً ما وُصفتُ بصاحب القلق المزمن والتمرد العجيب والحماقة القاتلة وسوء التفكير المريع .. لم أُعلل مواقفي لأنني أعمل ما تجوش به دواخلي وأدرى أنها حياتي كنتُ دائم التجديد بسبب أو بدون، فقط لحوائج في نفسي، أكون مرتاحاً في النهاية. أسعى دائماً لما هو أفضل ولا أكترث لِما سيحدث بعد تركي لوظيفتي أو عملي، تغير منزلي، إيقاف دراستي، بيع سيارتي وحتى تنصلي من علاقاتي، لست حريصاً البتة ولا أرى أن التشبث بالأشياء يحول دون زوالها ..
زاهداً في ما سيأتي ناسياً ما قد مضى .. كان هذا شعاري في كل الأوقات ولأن الأشياء لن تبوء بوزر النوايا.
عملتُ موظفا ومديراً إدارياً ثم علاقات عامة مدير مصنع كنت كالغيث اينما حل هطل .. في ذات الوقت كنت متعاوناً في الصحف وربما امتهنتُ الصحافة لبعض الوقت، سبع سنوات وأكثر بين هنا وهناك، تركتُ مجال المال والأعمال بل تركتُ كل ذلك، لأبدأ في مشروع جديد بمحل لبيع الاسبيرات والزيوت، بعد عامان بدأ الكساد وزيادة أرتفاع الدولار بدأ القلق بتسرب ويحيطني أحاطة السوار بالمعصم، بدأتُ في إجراءات بيع المحل بكامل مستلزماته، لأبدأ في رحلةٍ أخرى مختلفةٍ تماماً من دراسة وسفر والعديد من الكورسات في مجال الإعلام بمصر والهند لأجد نفسي بعد عودتي في تجربة جديدة بالتلفزيون معداً ومحرراً كانت الأجور زهيدة جداً لم يعجبني حال الأوضاع فتركتهم دون تفكير .
قبل ذلك وأيام الدراسة كنت أقوم بأرسال الكلمات المتقاطعة لعدد من الصحف بعدها عملتُ سيكروتي وهو اسم الدلع لحارس أمني في حقل هجليج للبترول وقضيت أيام أخري كعامل بمطار هجليج.
سافرتُ الى الإمارات لأعمل في مشروعٍ خاص ولكن حالت الإمكانات المادية من متابعته لضعف رأس المال عُدت أدراجي في ذات العام لأعمل بأعمال حرة (رزق اليوم باليوم) وبعد أقل من سنتين، بدأتُ رحلة أخرى فها أنا الآن أكمل الشهر السادس بالمملكة العربية السعودية في تجربةٍ جديدةٍ مختلفة؛ فهل سأصبر على ما انا عليه؟! أم سأخوض في تجربة أخرى !؟؟ -لا أدري- ولكنني أعملُ يقيناً أنها تقلبات الحياة تأخذك كما الأمواج في ارتفاعها وتلاطمها؛ وأنت في قارب النجاة تتوجس خِيفة من قادم اللحظات .. ولعل ما يجعَلني قنوعاً في كل ذلك لم أكن يوماً خائفاً أو متوجساً مما سيأتي وكانت جملتي (كلو لي خير) تأتي دون أن أشعر. والمريح جداً لمن أنحني يوما لأحدهم لترقيتي ولا أعرف ما هو (كسير التلج) للمدير أو غيره. ولم أغير مواقفي تبعاً لتوجبهات صاحب الرصة والمنصة وايضاً لم أصمت يوماً على وقاحة أحدهم ليزيد من راتبي أو أحافظ على موقعي. لم أسرق مجهود أحدهم ليرفع من شأني ولم أكذب لانني خائف من تشريدي، دائما ما كنت سباقاً للخروج بلا عودة.
وبعد كل الذي ذكرته فأنا حقاً سعيدٌ جداً بإنجازاتي وخبراتي في مجالات متعددة جعلت عقلي متفتحاً وشكلت شخصيتي وجميع تفاصيلي التي صنعت مني إنساناً مرتب الدواخل ..
انا عبد الكريم محمد فرح سبعة صنائع والبخت رائع ..
الصورة
لعجوز روسي وجد دبابته التي كان يحارب بها فى الحرب العالميه الثانيه.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x