موالات وشوالات

موالات وشوالات

وجع ضُرس
بقلم/عبدالكريم محمدفرح

ولعل للمفردة الشعرية تأثيرها على السامع، والشاهد في ذلك أنني عندما كُنت يافعاً وفي أيام مراهقتي لمن تعجبني ولو بالخطأ أحدى بنات الاقباط (النقادة) اللائي ترعرعن معنا في أحياء المسالمة وحي العمدة وأمدرمان القديمة على وجه العموم. ورغم قُصر وضيق ملابسهن لم يكن هناك شئ مغري البتة ..
إلآ أن سمِعتُ أن أغنية ظبية المسالمة والتي قِيل أنها كُتبت في أحدى قِبطيات أو يهوديات المسالمة ذلك الحي الذي يعيشك قبل أن تعيشه.
سألتُ نفسي كثيراً من هذه الظبية الفي الخمائل حالمة التي أبكت الكثيرين وهل هي جدة لإحدى جاراتي العزيزات .. كيف أُعجب بها سيد عبد العزيز وماذا يميزها .. بعد تلك الثقافة الشعرية أصبحتُ أتقبل فرضيةً راسخةً أنه من الممكن جدا الإعجاب بأنثى من ذوات البياض الناصع.
وهكذا هو حال المفردة الغنائية وأثرها على السامع .. قد يكون الشئ موجوداً أمامك ولكن ليس له أثر مباشر تجاهك .. كالذهب الذي يفاخر به مبارك أردول أنه يسير ميزانية الدولة ولا نرى إنعكاسه على جيب المواطن وهو يصرُ أنه سيقومُ للإستقرار والتحول الديمقراطي القادم ..
المهم ما علينا .. أعتقد أن أعظم ما قِيل في الشعر السوداني هو قول الدوش في رائعته سعاد .. وأنا يا سعاد وكتين أشوفِك ببقى زول فَرَشولوا فَرْش الموت وعاش .. العودة من الموت وفراشه برؤية المحبوبة أمر شوية كده خطير .. لكن زمان قال عمنا العباس بن الأحنف في الغزل
بِهِ سَقَمٌ أَعيا المُداوينَ عِلمُهُ ** سِوى ظَنَّهُم مِن مُخطِئٍ وَمُصيبِ
إِذا ما عَصَرنا الماءَ فيهِ مَجَّهُ ** وَإِن نَحنُ نادَينا فَغَيرُ مُجيبِ
(الزول ما قدر علي شراب الموية الزرقاء) ورغم ذلك كله فإنني أرى وبصريح العبارة أن قصيدة الدوش أعمق وأقوى من حيث المعنى والمتن ممكن أكون متحيز ولا بحب الدوش أو الكابلي سيد الإسم محبوبي وكتين أبتسم.
في الحقيبة أيضاً نجد أن غصن الرياض المايد كُتبت بمحبة عجيبة حيث يقول فيها علّي المسّاح .. حسنك ليك يدوم لا أم تلد لا والد .. وإن هذا لعمري بيت شعر يأخذ الذهبية دون منازع .. هناك عبارات كثيرة تُعبر عن عُلو شأن المحبوبة بالحقيبة .. الجماعة ديل كانوا بتعاملوا معاها كشئ مقدس .. (تزدري المصباح والصباح) والله ده كلام عجيب ياخ .. ويجيك أحد فلاسفة هذا الزمان يقول ليك أشعار الحقيبة حسية وتعاملت مع المرأة كجسد .. (احي يا فشفاشي)، إختزال شعر الحقيبة في كلمة حِسي هو تجريم في حد زاته لكن أقناع الآخرين بذلك جريمة أكبر .. مثلما حاول وجدي صالح -في ذات لايف كده- إقناع الشعب السوداني أن أموال الكيزان سيتم تقسيمها علينا وستنزل في حساباتنا بالدولار .. ما عاوز أتذكر المواضيع دي .. شخصياً كُنت راجي حصتي من الدولار الأخضر الحي ..
الكثير من الكلمات أصبحت مجتمعياً أو إجتماعياً جزء لا يتجزأ من أغنية أو تسمية لشئ مُعين نابع من فكرة الشعر والغناء ..
ولمحمود تاور أُغنية جميلة الكلمات والايقاع .. فإذا ذكرت جُملة الشمس غابت سيلحقها أقربهم بوينو القمر طيب ..
وككلمة إتعزز التي تعني أن الشخص الذي وقع عليه فعل التعزز وقد رفع من قدره ففي أي حوار تَدخل فيه كلمة إتعزز .. يَخرج السامع سريعاً بمقطع إتعزز الليمون عشان بالغنا في ريدو .. ليرتبط في وجدان السودانيين أن العزة والترفع من صفات الليمون .. وما ادراك ما الليمون ..
المتداول كثيراً والرائج بكثافة هي أُغنيات الفنان الظاهرة محمود عبد العزيز .. عندما يقول أحدهم خلي بالك .. يردفها الحواتة بخلي بالك من يدي وقت اسالمك لما يا زولتي البريدك أمسح من الزمن العداوة وأقول بريدك .. وعندما يذكر لفظ سلامتك يلحقها البقية سلامتك والألم بيزول وكفارة ليك يا زول .. وهكذا هو الحال بأغنية في 60 .. ليقول السامع ولا تسأل جراحك وين تروح إن شاء الله في 60 .. وغيرهم كُثر مثل (كتر في المحبة ليكملها زيد الريدة حبة) .. وحبيبنا الأولاني فلان الفلاني ..
هو غيضٌ من فيض وهو ما جادت بِه قريحتي في الغناء السوداني الذي أرتبط بحديث الناس وحكاياتهم وتأثيره علي حياتهم.

الحجل بالرجل يا حبيبي سوقني معاك ..

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x