نعمة

نعمة

ألسنة وأقلام

بابكر إسماعيل

“وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ” سورة النحل – الآية ١٨

يالها من آية موجزة معجزة ..
أحاطت بشمول نعم الله وآلائه وأبانت عجزنا عن إحصائها بله عن شكرها ..

أربعة وعشرون حرفاً “وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ” لخصت الأمر كلّه ..
وفي العدد ٢٤ إشارة لطيفة لعدد ساعات اليوم ..

أي أنّك لو أنفقت يومك كلّه لتحصي نعم الله فلن يستوعب يومك ذاك ..
والأيام تدور ..
وتدور معها السنون والآجال والأعمار ..
وتبقي نعم الله بدوام ملك الله ..
وإلي أن نصل إلي النعيم المقيم إن شاء الله حيث ..
“وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ” سورة فصّلت الآية ٣٥

وعَذَرنا ربّنا وقدّم مغفرته ورحمته إذا عجزنا عن عدّ نعمها وإحصائها وكذلك إذا عجزنا عن شكرها ..
ويغضب مولانا إذا جحدنا نعمه وكفرنا بها بعد أن رأتها عيوننا واستيقنتها قلوبنا ..
سبحانه ذي الجلال والإكرام الكبير المتعال ..

وبين آيتي سورتي النحل وسورة فصلت أعلاه
تدور حياتنا كلّها ..

وسورة النحل أسماها البعض سورة النّعم فقد فصّل الله تعالي فيها بيان نعمه علي عباده ..
ابتداراً من خلق السماوات والأرض في الآية الثالثة ..
ثمّ خلق الإنسان من نطفة في الآية التي تليها وعقب ذلك حدّثتنا الآيات عن خلق الأنعام والمنافع التي وراءها والآية العاشرة تحدثت عن إنزال الماء من السماء والأنشطة الاقتصادية المصاحبة له ..
ثمّ تحدّثت الآية الثانية عشرة عن تسخير الليل والنّهار والشمس والقمر
ثمّ تجمعت في الآية الثالثة عشرة كلّ الآلاء الأرضية في قوله
“وَما ذَرَأَ لَكُم فِي الأَرضِ مُختَلِفًا أَلوانُهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ”

وتنتقل بنا الآية الرابعة عشرة من الأرض اليابسة إلي البحر ومياهه بقوله:
“وَهُوَ الَّذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلوا مِنهُ لَحمًا طَرِيًّا وَتَستَخرِجوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسونَها وَتَرَى الفُلكَ مَواخِرَ فيهِ وَلِتَبتَغوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ”

ثمّ ما لبثت أن حلّقت بنا الآيات عالياً بعد حديثها عن البحر وفلكه نحو النجوم والأفلاك في قوله:
“وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجمِ هُم يَهتَدونَ”
في الآية السادسة عشرة.

وتبع ذلك التحليق استفهام تعقيبي في الآية السابعة عشرة:
“أَفَمَن يَخلُقُ كَمَن لا يَخلُقُ أَفَلا تَذَكَّرونَ”

وخُتِم كل ذلك الامتنان والإنعام بالآية الثامنة عشرة التي افتتحنا بها مقالنا هذا ..

“وَإِن تَعُدّوا نِعمَةَ اللَّهِ لا تُحصوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ.”

ثم تمضي سورة النحل تعظ وتدعو إلي الإيمان بالله المنعم المنّان ..
وتفصّل قرب خواتيمها في الآلاء والنعم التي تقدّم ذكرها علي نحو مدهش ..

حيث تُفصّل في نعم الرزق من زروع وإنبات

وتفصّل في بعض أسرار الحياة وعلومها مثل التداوي بعسل النحل وهي إشارة لطيفة للتداوي بالأعشاب التي اُستخلصت منها عقاقير طبية متعددة وما تزال ..

وما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواءً ..

وتمضي الآيات لتتحدّث عن التفاضل بين النّاس في الرزق والذرّية لحكمة يعلمها ربّنا العليم الوهّاب ..
فلا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا ..

وتذكرنا الآيات بالإنعام علينا بحاستي السمع والبصر وربطهما بالعلم والتعلّم ..

ثمّ تتحدّث سورة النّحل عن الظواهر الإحيائية والفيزيائية المرتبطة بقوانين الحركة وطيران الطيور في الجوّ من غير سقوط ..
والظواهر الهندسية عن الأبنية والعمارة والملبوسات وأنواعها وقوانين الفيزياء المتعلّقة بالحرّ والبرد الخ …

فهلّا تفكّرنا في نعم الله علينا السابغة ..؟
في خلق الكون لنا وتسخيره ..؟
وفي خلقنا في أحسن تقويم ..؟
وفي منّه علينا بالحواسّ والعلم والطعام والنوم والتكاثر والسعي في الأرض وكسب الرزق
وإمتاعنا بحواسنا وأسماعنا وأبصارنا وقواتنا وإدراكنا الجمال والمعروف والخير والفنون والعطور والألحان والألوان ..

فتلك نعم ومننٌ لا يستشعرها إلا من أُوجد من عدمٍ وهُدي إلي الخير وشُكْرِ النعم الوافرة ثمّ سِيق في زمرٍ من المهتدين الشاكرين إلي بقاء وديمومة في نعيم مقيم عند مليك مقتدر ..

وسبحان ربّنا العظيم الأعلي القدوس المنعم.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x