إنهم الباشداريون يا ود ريّا

إنهم الباشداريون يا ود ريّا

ألسنة وأقلام

بابكر إسماعيل
قبل خمسة قرون وتحديداً في الخامس عشر من أغسطس من العام الميلادي ١٥٢٩ جمع سيدي محمد إدريس ود الأرباب أقوي رجلين في السودان حينها وهما الملك عمارة ود عدلان ود دنقس ملك الفونج وعبد الله ود جمّاع كبير العبدلاب وكان ذلك في بتري جنوب شرق الخرطوم اللذين أسّسا مملكة سنّار بعد ذلك الاجتماع المبارك وإن شئت القول – أسّسا نواة الدولة السودانية الحديثة ..
ورغماً عن ذلك يقول الباشداريون وما دخل رجال الدين بالسياسة؟
قالها متسائلًا ذلكم القحّاطي وبراءة الأطفال في عينيه ..
عَلِمَ حواري الطيّب الجدّ حفيد ود ريّا .. أن الرجل لا يعرف تاريخ السودان الذي تسنم فيه منصباً علياً في ذات هوجة من تغوّل قَحَط علي البلاد والعباد ..
وأنّه لا يدري أن “سوداني الجوة وجداني” ماهو إلا نفثة عرفانية من جوف أرباب العقائد ..
وهو سودان أهل الله الذين عطّروا فلواته بالذكر والتهليل وتطهّروا من نيله وصالوا فيه وجالوا ينشرون الهدي والنّور ..
فلله درّهم أهل اللالوبة وأهل السلسلّة الجافو النوم وعقدوا الراي منذ أن أسّسوا الدولة .. ووضعوا لبناتها موّحدة لله وشاكرة لأنعمه ..

علم الحواري أن الوزير “المبلول بلّاً سابغاً” وموضوعاً في فتيل “مجموع سغيروني” جاهل بتاريخ بلده أيّما جهلٍ ..
فرأي أن يذكره بتاريخ الخرطوم قبل ١٤٠ عاماً .. وابن العبيد المسمّي بالرِقَيّق قد تحزّم وتلزّم في كتيبة خرساء بأمرة أبيه العبيد سيّد قومه – إنساً وجنّاً – وشعار تلك الكتيبة كان “كلّ القوة الخرطوم جوة” .. متوجهاً نحو قصر غردون الذي فشل الباشداريون في دخوله كما فعل الرِقَيّق ..
ورغم ذلك يقول الباشداري الماداري “وعلاقة رجل الدين بالسياسة شنو .. ؟

طيّب لو مافي علاقة زي ما قال الماداري .. لماذا سبّ القحاطة وغاضبون وملوك الاشتباك دين العسكر ودين أبي طيرة ودين أبي أحمد ذاتو ..؟

فاضت روح العبيد ود بدر في سوح الجهاد .. مع جيش المهدي الإمام هناك في الفتيحاب الفاتحة للمغالق ..
والمهدي هو موّحد السودان ومؤسس الدولة الثاني .. قد تشرّب الدين وتتلمذ علي علماء عصره ..
وجيّش الجيوش وجنّد الجند ..
ذاكراً الله صبحاً وعشيّاً يتردّد صدي راتبه في الآفاق ..
ويا جبال أوّبي معه والطير ..

“.فسامحنا فيما جني به الباشداريون في التعدي علي الحق واليقين وفي الجهل بتاريخ الوطن والدين .. ومكنّا في الإيمان والتوحيد بكامل التمكين …. “

طيّب يا مولانا .. ويا حواريّ مولانا هذا القحاطي من فصيلة ٤ – طويلة ويُعرف هؤلاء أيضاً بالباشداريين الذين يمتازون بالجهل بالدين والتاريخ التليد وسرعة الجري ..
فهل من طريقة لتذكّر وزير رئاستنا المخلوع – منذ وقوع الإنقلاب – بأنّ السياسة دينٌ
وأنّ الدين سياسةٌ يستوي في ذلك إن كان دين العسكر أم دين أبي طيرة أو دين أبي أحمد ذاتو .. ؟

فأطرق حواريُ الشيخ الجدّ مدةً وفكرّ مليّاً وقال لوزير رئاستنا المخلوع بالإنقلاب: إت يا جنا .. سمعت بجدّاً ليك اسمه الشريف أحمد ود طه .. ؟
هنا تهللت أسارير الفتي القحّاطية وتبسّم حتي بانت أسلاك نواجذه ..
وسرّه أن ذَكَر هذا الحواريّ البسيط اسم جدّه ولقبه .. وذكر له أنّ جدّه كان شريفاً ..
قال له “نعم هذا هو جدّي الخامس وكمان عنده حساب في الفيسبوك” ..

هنا باغته الدرويش قائلاً ؛ عندما استنجد جدّك أُمحُمّد ود طه بأبوي الشيخ العبيد ود ريّا لمّن دخّلوه الأتراك في فتيل وكاد المأمور صالح المك يبلّو .. لغاية ما نجدوا جدّي العبيد بجيشه وقال للمأمور صالح المك قولته المشهورة عند شاطيء النيل الأزرق الغربي في فداسي ..
“ترن .. ترن .. الفي القيف حرن ..”
وهدّد المأمور بالقضاء عليه بكتيبته الخرساء إن حاول إيذاء الشريف محمد ود طه وهذا ما عناه بترن ترن .. وهي أشبه بقولك ود ريّا جا .. مأمور جري ..
فهل كانت استعانة جدّك بجدّي عملاً سياسياً أم عملاً دينياً .. ؟
ونعود للسادة البادراب ..
أهل الدبليبة وهي عصيدة سيدي الشيخ ود بدر التي لم تُطفأ نارها منذ مائة وسبعين عاماً ،،
ميرة تُطعم الغاشي والماشي ..
وعشا الضيفان وعوج الدرب ..
وسيدي الأراكا..
صاحب القدح الكبير الممكون ..
يُطحن ويُطبخ كلّ يوم في قدوره بين عشرة إلي ثلاثين جوّالاً من الذرة ..
أرادب فوق أرادب كالجبال الجُدَد ..
أي أنهم يدبلبون كل يوم من خمسة إلي خمسة عشر أردباً حسب الموسم فلنقل إنّ عشرة أرادب هي أوسط ما يُطعمونه لأهل السودان ..
والعام ثلاثمائة وخمس وستون يوماً ..
والإطعام منذ مائة وسبعون عاماً ..
أتدري كم ذلك يا فتي ..؟
ستمائة وعشرون ألفاً وخمسمائة أردباً ..
إن كنت تريد للسادة البادراب أن يخرجوا من السياسة فقل لهم لا تُطعموا الناس ..
وهل تستطيع قول ذلك؟
أظنّك تستطيع ذلك فأنتم أهل القحط والجوع ولا تبالون بفقرا السودان .. ويسوؤكم أن يزور الاخ أخاه ليشرب كوباً من الشاي أو يتعشي معه بصحن فول بئيس ..
وقد فشلتم في إطعام أهل السودان بغض النظر إن سمّيت هذا الإطعام سياسة أم ديناً أم خلقاً حسناً ولا غرو فأنتم تفتقدون ذلك كلّه ..

تاريخ الإسلام لا تنفصل فيه السياسة عن الدين منذ غزوة الخندق وحنين وعين جالوت والزلّاقة والميل أربعين ..
كلّها دين وإيمان ويقين وجهاد ونيّة ..
إلا موقّعة باشدار فهي شجار بين الذين يسبّون الدين وبين الذين يريدون إخراجه من حياتنا …
وولّي الباشداريّون الدبر ..وإنّ الله لينصر الدين بالرجال الفاسقين ..
وينصر أمتنا الماجدة بالرجال الصالحين أمثال مولانا الطيّب الجدّ الذي ورث الحكمة وفصل الخطاب من جدّه الأرباب وجدّه العابد العُبيد الأوّاب … وقد صاغ لنا مولانا الطيب الجدّ وهو قاضٍ متقاعد من المحكمة العليا وصفة لفضّ النزاع بين أهل السودان .. وقد ارتضاها عقلاء السودان فلا تأبهوا للعاوين وفولكر وجنود إبليس أجمعون ..
فهذا دور البادراب منذ أن أسسوا الدولة في عام ١٥٢٩ وحرّروا الدولة والخرطوم بصحبة صاحب الوقت وإمام الجهاد ومهدي الدين في عام ١٨٨٤ وما توانوا في جهاد وإطعام وتعليم وتربية ونصح وإرشاد حين تقاعست الدولة أو حين جثت علي ركبتيها لما ناءت به من أوزار فحّاطة آخر الزمان المتفلقصين…
وختاماً أهدي قحاطتنا وبغايا فولكر وتيراب غوردون ومرتزقة ونجت حكمة من أبينا الشيخ العبيد ود ريّا:

” إذا مسكت ما تفكّ .. وإذا فكّيت ما تندم”

والقحاطة مسكوا وفكّوا وندموا ..
فهم لا يعرفون دِين العبيد ولا حكمته ولا سياسة الناس ولا نملك إلا أن نعزيهم بآهات ترباسية ونقول لهم:
ما تهتموا للأيام
إنقلابات بتعدّي ..
طبيعة السياسة زي الموج تجيب وتودّي ..
سبيل القحّاطي عشان يكوّن حزب يادوب
يكون زاده دبليبة وحب للناس مشبوب
عشان يلقي انتخابو يا زمن محبوب
يضوق المرة ويتوشّح بصبر أيّوب

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x