فيك يامروي شفت كل جديد

فيك يامروي شفت كل جديد

????️يـقـول الفنان القامة عبد الكريم الـكــابـلـي :

( كنت أمني النفس بدراسة القانون ، الأمر الذي يستلزم الهدوء والتفرغ للمذاكرة ، وكان مطلباً عسيراً لي بالخرطوم ، بعد أن ظهرت موهبة الغناء ، وتكالب الأصدقاء على الاستماع ، والجلسات الغنائية الخاصّة . كنتُ وقتها أعمل بمكتب التركات لغير المسلمين بالقضائية ، وكان يعمل معنا العم العزيز حسن حمدي رحمه الله ، بعد تقاعده للمعاش ، وكان قد عمل تقريباً في أكثر محاكم السُّودان ، مما جعلني أطلب منه ترشيح بلدٍ أجد فيها ضالتي ، وهي التفرغ للدرس والمذاكرة ، فقال دون تردد: عليك بمروي، وبالفعل ذهبتُ إلى قلم المستخدمين، وطلبتُ النقل إلى مروي .”

????️بَيْدَ أن ،، الكابلي ،، لم يجد في مروي الوقت الكافي للدراسة والتحصيل لدخول كلية القانون ؛ لكنه بدلاً عن ذلك التحق بـ(جامعة مروي الكبرى ) حسب قوله ، التي كان قوامها يتشكل من النُّخبة الإدارية والقضائية التي كانت تعمل في مدينة جاكسون باشا آنذاك ، والتي يذكر الأستاذ كابلي بعضاً من معالمها قائلاً :
( المفتش حسين أحمد شرفي، والقاضي مولانا صالح محمد علي عتيق، والقاضي الشرعي مولانا عوض الله صالح، وفي المساحة المفتش باب الله، والشاعر الفذ مهدي محمد فرح الذي لحنت له أغنية “يا حليلكم”، وكان ينادى بالأستاذ حتى عندما جاء ليعمل برئاسة المساحة بالخرطوم ؛ لغزارة علمه ، فهو من الرواد الذين تلقوا دراسة بانجلترا في المساحة الجوية ، وكان ولا يزال ضليعاً في اللغتين العربية ودارجها ، وحيدر المشرف على “الميز”، وكانت تضبط الساعة على موعد وصوله وخروجه من مكتب المساحة ؛ ومفتش المساحة نور الدين؛ وفي المستشفى الدكتور حسن كُشْكُش ؛ وفي المجلس الأستاذ إبراهيم يوسف ، شقيق الإعلامي الأشهر الأستاذ أبو عاقلة يوسف، وهو الذي مدَّني بقصيدة الأستاذ عباس محمود العقاد ( شذى زهر ولا زهر ) وفي قسم البساتين الأستاذ إبراهيم أحمد؛ وفي المشاريع الزراعية الحكومية الأستاذ خير الله، وكان مسؤولاً عن تجارب القرير ، حيث الناظر المهيب ود بشير أغا الذي غنى لوالده الشاعر حسونة شاعر الشايقية الأكبر :

غنيت ليك يا ود بشير
كرسيك قدام كرسي المدير
ود عضام راجلا شكلو غير

إذ كان مهاباً ، وفي بسطة من الجسم؛ وفي المشاريع الخاصّة الأستاذ حران ، ثم الأستاذ المربي الكبير مصطفى أبوشرف ، ناظر المدرسة الوسطى ، وصاحب الذكريات الطريفة، وكذلك الأستاذ حامد عمر الأمين ، وفي المركز الباشكاتب سعد محمد إبراهيم؛ وفي النقل الميكانيكي العم عبد الرازق، وإبراهيم منزول ، صاحب الدعابة والبديهة الحاضرة، إلى جانب العديد ممن يضيق عن ذكرهم المجال ، رحم الله من غادر منهم إلى الدار الرحيبة ، والعافية لمن بقي منهم بيننا في الحياة. كانت مجموعة أولئك الموظفين أسرة واحدة بكل ما تحمل معاني الأسرة المتلاحمة من معنى ) .

????️لم تكن علاقات الأستاذ كابلي في مروي محصورة في قطاع الموظفين وزملاء العمل الديواني ، بل تخطتهم إلى العديد من أعيان المنطقة ووجهائها ، الذين تعرَّف عليهم خلال زياراته الميدانية لمحاكم الإدارة الأهلية في المنطقة ، وسياحاته الخاصّة داخل مدينة مروي وما جاورها، ونستشهد في ذلك بقوله :

( فقد تخطى الأمر مجموعة الموظفين إلى إقامة علاقات طيبة مع مواطني مروي، والمناطق المجاورة ،، وقد سعدتُ أيما سعادة بصداقتي ومعرفتي بالاحباب محمد عبيد رحمه ، وسيدأحمد خطاب ، ومحمد عبد القادر ، والعم الصادق القمّش ، وأحمد مـن الله ، والضكير ، وعازف العود إبراهيم حسن ، ومحمد عبيد الله ، والحلاق العم بابكر، الذي أخبرني بأنه كان يقوم في شبابه بحلاقة شعر رأس جاكسون باشا ،، ومن نوري العمدة لاحقا محمد أحمد كنيش، ومن قنتي العم العمدة ود أحمد أبوشوك ، الذي كلما ذكرته عضضت أصابع الندم ، لأنني لم أكتب ما كان يحدثني به من أشعار حسونة ، وتاريخ منطقة الشايقية ، وسير بعض الموظفين المصريين الذين تركوا في المنطقة ذكريات حسنة ؛ ومن كرمكول العمدة سعيد ميرغني ، وكان رجلاً كريماً ، كلما ذكرته طافت بخيالي صورة الكريم الذي وصفته أغنياتنا التُّراثية بـ (عوج الدرب) لأنه كلما سمع صوت سيارة مارة بالطريق العام ليلاً يطلب من أبنائه الخروج السريع بالفوانيس ، وبطاريات الإضاءة ، جلباً لتلك السيارات ؛ لإكرام وفادة راكبيها ، وأحيانا يلح على مبيتهم ، ثم من الدبة ذلك الرجل المهيب الذواقة للغناء ، العم الناظر أحمد سعيد ، ومن كريمة الرجل الكريم الموسر كرار محمد الحسين ، والإخوة الحارث منصور ، والتيجاني حسون ، وعلي عثمان رحمة ، وعشرات العشرات ممن يضيق عن ذكرهم المجال ) .

????️ويتنقل الأستاذ الكابلي من دائرة المعارف والأعيان في منطقة مروي إلى دائرة الغناء والطرب، قائلاً ( ولا بد لي من أن أذكر الفنان (بنده ) صاحب الصوت الجهوري، وقد استمعت إليه بإعجاب كبير، وهو يغني على آلة “الدلوكة” الإيقاعية العديد من أغنيات أهلنا الشايقية، وبينها أغنية “بوبا عليك تقيل” التي ضمنتها في أغنيتي ????فيك يا مروي شفت كل جديد ????، وهي أغنية تراثية ،، وبنده هو (جميل عبد الرازق فضل المولى ) (1919-1989م ) ، عاش صباه بالبركل ( تبعكم يا Fathiya A Elhassan ???????? ) حيث أكمل تعليمه الأولى ، وبدأت شهرته الغنائية تلوح في الأفق بأغاني الحقيبة ، والإنشاد الديني .

زار بنده الخرطوم في الثلاثينيات من القرن العشرين ، وتأثر بصوت الفنان زنقَّار ، الذي كان من رواد قهوة الزئبق آنذاك ، وبعد ذلك عاد بنده إلى وطنه الأم بالبركل ، وكوَّن فرقة غنائية من ( مـحمـد حـسنين ، وعــوض النــور، وعطا عطا الفضيــل، وسلمان ود كريمة، وجيب الله ) والطـريـف في الأمـــر ، أنَّ فرقته الغنائية كانت تضم امـــرأة تــُدعـــى ( فـضيلــه ســـوميت ) ضابطـــةً للإيقــــاع ، وفي عقد الخمسينيات والستينيات غنى الفنان بنده للشاعر محمد عـبـد العـزيـز ، والشاعر حسن الدابي ، ومن أغانيه التي حظيت بشهرة واسعة في المنطقة: ( القمر بوبا .. والرايقة شتيلة قريرة .. و جود يا بارى جود ) .

????️لا شـك أن ذلك الوسط الفني والإبداعي في منطقة مروي قد أضاف للأستاذ الكابلي بُعداً فنياً آخر ، جعله يرتبط ببعض الفنانين ، والشعراء، والمبدعين في المنطقة ، ويتغنى بكلمات بعضهم في جلسات الاستماع الخاصّة ، وكثيراً ما يشير الكابلي في حديثه عن العمدة محمد أحمد أبوشوك ، رئيس فرع البديرية ، والعمدة ود بشير أغا ، رئيس فرع الشايقية شمال ، إلى العامل حُسونة ، وأشعاره الرصينة ، والشاعر حسونة، كان شاعراً مطبوع ، لا يُشقُّ له غبار ، عرفه أهل المنطقة بالعامل حُسونة ، وكانوا يتقربون إليه بالهدايا والنذور ، لأن الشاعر في عرفهم كان يمثل لسان حال قومه ، وصحافتهم السيارة ، وتلفازهم المتنقل ، لأنهم يتعرفون من خلال أشعاره عن فضائل الحسان والعذارى في المنطقة ، أمثال ( جمال الباشا في البخيت ، وستنا بت الشيخ في العفاض ) ويأنسون بمدحه في جُود الرجال الذين كانوا يقذفون للقريب جواهراً ويرسلون للبعيد سحائب، ومن أمثال هؤلاء الشيخ أحمد أبوشام ( المعروف بأحمد درويش ) الذي ردَّ حسونة على خصومه قائلاً :

في اللحم كـــــجَّنت اللســـان
عشـــان فسَّل أحمد أبوشـام
هو درويش عقلــــو تـمـــام

ويقفون بفضل مجالسته على أحوال المنطقة ، وسير أعلامها ، وصراعاتهم السياسية ، ويتبلور ذلك في مدحه للعمدة ود بشير أغا في القرير :

ود بشير عمدة مو عمدة سماسير
خيـــلو بين الجبليـــــن تغــــيـر

والعمدة ود كنيش في نوري :

يـا الأغـــا ود كنيــــــــش
الرجال بتـاب وأنـت عيـش

والعمدة أحمد أبوشوك في منطقة قنتي :

أحمد أب شـوك قدل فشـل اليلومـــو
ويا بحر المســــور القاســــــي عـــومو

والقصيدة التي أشار إليها الأستاذ الكابلي في عابر حديثه عن أعيان منطقة مروي ، وهي القصيدة المعروفة بـ ( قولي ف، وق الأغا ود بشير ) والتي يقرأ نصها الكامل هكذا :

يا مريسيل يا زريزير

بـجناح الريش مني طير

جيب لي قاف الشيخ ود بشير

وصفو فوق الخيل يا حمير

وغادي من القمح يا شعير

جانا الضحى وقام العصير

فوق بليماً بنسف الدّير

شفتو متل البرق البشيل

شن بِلِم ناس ديل مع ديل

وشن بِلِم الترعة والنيل

وشن بلم القمره والليل

يابا داخرنك لي التقيل

عمدة مو عمدة بواجير

حقو رتيب التوابـــــير

وكرسيهـو قدام كرسي المدير

خيلو بين الجبلين تغـير

ومن جبال تقلي على قدير

بالوعر كم شقوا التناقير

وطبلو دقَّ وخلفولوا النقير

سيدي سيد عامراب القرير

وسيد عفو السقّاي والحفير

سيد جريف نوري أب تناقير

وسيد دويم شات والبسابير

ود عضام راجلاً شكلو غير

حاشاه من اللوم أب بشير

أشونو القالوا ضرب النذير

????️وفي ضوء هذه الخلفية المشرقة إبداعاً ومتدفقة طرباً وعطاءً من جوانبها المختلفة، رسم الأستاذ عبد الكريم الكابلي لوحة شاعرية زاهية ورائعة عن مروي في أواخر خمسينيات القرن الماضي ،، والتـي يقـول فـي مـطلعـهـا :

فيـكِ يا مروى شُـفتَ كـل جديــد

فـيكِ شُـفـت. عيون لعبـو بـيَّ شديـد

وانكويـت بـالنار من زهـور في خُـديـد

مهمـا زاد وجـدي ما بـسـيـب الــــريـد

لأني قلبـي حنيـن وبـعشـق التغريــــــد

بـمحاسـن الكون وبـجمــــــال الغِـيـــــــد

????️في سياق هذه القصيدة طرح أحـدهم سؤالاً على الأستاذ الكابلي مفاده : ( مــــروي ،، وآســيا وافـريقـيا ،، وليـلة المولــد ،، أعمال فنية ذات طبيعة خاصّة ، وهي الأقرب إلى الأوبريت والغناء الجماعي ، وتحمل مضامين جديدة في الشعر الغنائي ،، كيف يقرأ كابــــلي هذه التجارب التي تشكل محطات مهمَّة في مسيرته ؟ وإلى أين أفضت بتجربته الفنية عموماً .. ؟؟ )

????️فأجـابه الكابلـي بشأن مروي ، قائلاً : ( ربما كانت أولى هذه المحطات أغنية مروي ، إذ حملت ملمحاً غنائياً لم يكن معروفاً من قبل ، هذا حسب علمي ، وقد أكون من المخطئين ، فقد ذخرت بالصور المتحركة إلى جانب تضمين ثلاثة كوبليهات من منطقة أحبابي الشايقية ، حيث كنت أعمل ، وقد وصفها بعض النقاد في حينه بأنها نواة لأغنية الأوبريت ) .

????️هكذا كانت وما زالت مروي إضـافة جديدة وحقيقية على المستوي المهني ، والمستوى الاجتماعي ، والمستوى الفني الثقافي لـعبد الكريم الكابـلي ،، بل إنها أضحت تمثل واسطة عقد في تاريخ مشواره الغنائي ، الحافل بالإبداع ، والمتدثر بمختارات التُّراث الشعبي السُّوداني الناظمة لثقافاته المحلية ،، وصـار ،، الـكابـلي ،، جـزءاً من تأريخها المجـيد ،، وصارت إلــــياذتـه الفنية ( اوبـريت مروي ) بـمثابة النشيد الوطنـي الواجب الحفظ على جميع ابناء المنطقة شيباً وشـباباً .

عبد الكريم الكابلي…

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x