حميدتي .. قرب تعال ما تبتعد

حميدتي .. قرب تعال ما تبتعد

تأملات
جمال عنقرة

لقد أثبتت التجارب أن السيد محمد حمدان دقلو “حميدتي” رجل منجز، وأنه يجيد حسم الملفات التي يختارها، أو توكل إليه، وقدمت التي يختارها علي التي توكل إليه، ذلك أن بداية انطلاقه كانت بما يختار، وأشير في ذلك إختياره اصطفاء بعض فرسان عشيرته للتصدي للعصابات التي كانت تعترض طريق تجارتهم، وتنهب بعض إبل الصادر التي كانوا يبعثون بها إلى ليبيا وإلى غيرها، ونجاحه في هذا الملف، دفع الحكومة السابقة، وبإصرار من رئيسها المشير عمر البشير لأن تختاره للتصدي لحركات دارفور المسلحة، التي أعيت الحكومة في ذاك الأوان، فتم تشكيل قوات الدعم السريع لتكون شبه بديل لقوات حرس الحدود بزعامة الشيخ موسي هلال، وكان السيد حميدتي أحد مقاتليها، فحققت قوات الدعم السريع بقيادة السيد حميدتي انتصارات باهرة علي قوات الحركات الدارفورية المسلحة، وشلت حركتها تماما، وابطلت مفعولها الميداني، وكانت معركة قوز دنقو أشهر تلك المعارك، وكانت هذه النجاحات العسكرية التي حققتها قوات الدعم السريع بقيادة السيد حميدتي، سببا في كل الدعم والترقي والتمدد الذي حققه الرجل في عهد النظام السابق.
وفي ثورة ديسمبر كان السيد حميدتي من أهم الفاعلين في التغيير من العسكريين، ولا ينافسه في ذلك أحد سوي الفريق أول مهندس صلاح عبد الله “قوش” ولكن يتفوق عليه السيد حميدتي بأنه كان أكثر الفاعلين في إسقاط حكومة الفريق أول ركن عوض ابنعوف في أربع وعشرين ساعة فقط، وكان أيضا سببا في تقديم الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيسا للمجلس العسكري ليكون نائبا له.
تولي السيد حميدتي بعد ذلك ملفات عدة حقق فيها كلها اختراقات كبيرة، بإستثناء ملف الدولار الذي تعهد أن يصرعه، فصرعنا الدولار جميعا، فقاد حميدتي ملف حوار العسكريين مع الحرية والتغيير، فتوصل معهم إلى إتفاق بعد أن توافقوا علي الوثيقة الدستورية، ثم قاد بعده حوار جوبا مع الجبهة الثورية، فتوصل معهم إلى إتفاق عادت بموجبه الحركات إلى أرض الوطن، وانخرطت في الحكم شريكا أصيلا، ثم قاد مؤخرا عمليات التصالح والسلام بين المكونات الدارفورية، وحقق فيها أيضا نجاحات كبيرة، توجها بمهرجان السلام الذي احتضنته الجنينة دار أندوكة، وشهد عليه القاصي قبل الداني، وهذا هو مدخلنا لموضوع هذا المقال.
أعتقد – ويعتقد كثيرون – أنه رغم أهمية سلام دارفور، والسلام في كل مكان في السودان، ورغم أن ما أنجزه السيد حميدتي من نجاحات في هذه الفترة التي قضاها في دارفور، لا سيما في غربها، إلا أن تحديات سلام دارفور لم تعد اليوم هي التحديات الأهم والأخطر، علي البلاد كلها، ولا علي الفترة الإنتقالية، ولا علي قيادة الدولة التي يحتل السيد حميدتي المنصب الثاني فيها، بل إن وجوده هذه الأيام خارج العاصمة، وفي دارفور تحديدا قد يزيد من تعقيد المشهد العام، لا سيما وأن بعضا من تصريحاته التي أطلقها من هناك لم يستحسنه كثيرون، واعني تلك التي وجه فيها انتقادات حادة للحكومة، واتهمها بالفشل والتقصير في كثير من الملفات، واعتبر البعض هذه التصريحات تمهيدا للقفز من مركب العسكريين إذا جنحت بها الأمواج خارج المسار.
المطلوب من السيد حميدتي العودة إلى العاصمة اليوم قبل الغد، وتحمل المسؤولية مع رفقائه العسكريين الآخرين في مجلس السيادة، ومع شركائهم من قادة سلام جوبا، وكما هو معلوم فإن مهلة الشهر التي منحها رئيس مجلس السيادة للقوي المدنية للتوافق، لم يبق فيها شئ يذكر، ولا يزال الوضع “محلك سر” ولا يلوح في الأفق حل آمن يمكن أن يعبر بالبلاد جسر هذه المحنة المعقدة، والقرار صار بدرجة كبيرة في يد العسكريين وشركائهم من الحركات المسلحة، ومدخل القرار السليم أن يوحد هؤلاء رؤاهم، وكلمتهم وقرارهم، وكما هو معلوم للجميع أنهم اليوم ليسوا كذلك، ولعل الأهم في المرحلة الأولى توافق القيادات العسكرية في الجيش والدعم السريع، توافق علي أكثر من مرحلة، أولها وثانيها، وهما متلازمتان لا تنفصلان، ترتيب وضع الدعم السريع لتحقيق ما توافق عليه أكثر أهل السودان، بأن يكون للسودان جيش واحد، والثاني أن يتوحد موقف كل القادة العسكريين في ما يتعلق بالخطوة المنتظرة بعد انقضاء شهر البرهان، والخطوة التالية لذلك تنفيذ بند الترتيبات الأمنية الذي تم اقراره ضمن سلام جوبا في شأن الحركات المسلحة، ولا هذا ولا ذاك يمكن أن يتحقق والسيد حميدتي موجود في دارفور، ويبعث من هناك برسائل حمالة أوجه، لذلك نقول للسيد حميدتي “قرب تعال ما تبتعد”

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x