نظرات في مسيرة الحركة الإسلامية السودانية-الحلقة (٢) – الكسب والتطور

نظرات في مسيرة الحركة الإسلامية السودانية-الحلقة (٢) – الكسب والتطور

ألسنة وأقلام

بابكر إسماعيل

١٩/ ١١/ ٢٠٢٣

تعرضنا في الحلقة السابقة لنشأة جماعة الإخوان المسلمين بمصر والظروف الموضوعية التي سبقت النشأة وانتقالها إلي السودان واستعرضنا بعض الأسماء التي ارتبطت بالجماعة في السودان وانتهينا إلي المصالحة الوطنية مع نظام جعفر نميري ومشاركة الجماعة في الحكم إلى قبيل سقوطه بقليل.
تسمّت جماعة الإخوان المسلمين بعد المصالحة مع نظام نميري باسم الحركة الإسلامية السودانية وذلك بسبب توتر علاقتها مع الحركة الأم في مصر وانشق فصيل غير مؤثّر بقيادة صادق عبد الله عبد الماجد والحبر يوسف واحتفظ هذا الجزء المنشق بالbrand name (وبالعلاقة العضوية مع جماعة الإخوان المسلمين بمصر).

كانت المصالحة مع نظام نميري فتحاً كبيراً للحركة الإسلامية إذ استطاعت أن تعمل بحرية دون خوف أو وجل من أعين جهاز الأمن المايوي الباطش ونشطت في مجال تجنيد الطلاب في الثانويات والجامعات واستطاعت إدخال كوادرها في الجهاز الحكومي والقوات المسلحة وكذلك ساهمت في تأسيس المصارف الإسلامية التي استوعبت كثيراً من كوادرها التنظيميّين واستبقتهم داخل السودان في ظلّ الظروف الاقتصادية المتدهورة ..
كما أنّ ظروف المصالحة أتاحت للحركة الإسلامية وزعيمها الكاريزمي الدكتور حسن الترابي الذي شغل عدة مناصب في نظام مايو تراوحت بين مساعد رئيس الجمهورية وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والنائب العام ومستشار الرئيس ثم مساعد رئيس الجمهورية للسياسة الخارجية .. وشغلت كوادر أخري مواقع هامة حيث عمل علي عثمان رائداً لمجلس الشعب وعمل أحمد عبد الرحمن محمد غندور وزيراً للداخلية الخ …

خططت الحركة الإسلامية في الفترة المايوية للتمدد في كل الأصعدة فقامت بالآتي:
١/ التوسع في تجنيد الطلاب وقيادة الاتحادات الطلابية في المدارس الثانوية والجامعات وعلي رأسها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والذي يعرف باسم كوسو .. وتمكنت من إقامة المناشط الدعوية بدون خوف أو وجل من الأمن المايوي وشمل ذلك الندوات المفتوحة والمخيمات الصيفية التجنيدية والجلسات الإيمانية وتنظيم حلقات تجويد تلاوة القرآن وحفظه ومعسكرات التدريب الرياضي والعسكري الخفيف للعضوية وصيام الاثنين والخميس فتضاعفت عضوية التنظيم

٢/ ازدادت العضوية النشطة في النقابات والاتحادات النسوية حيث تمكن الإسلاميون من السيطرة على كثير من النقابات المهنية الكبيرة كليّاً أو جزئياً مثل نقابة الأطباء ونقابة عمال السكة الحديد الخ .. مما خلق لهم لاحقاً احتكاكاً مع كوادر الاتحاد الاشتراكي المايوي انتهى بالمواجهة المحتومة في مارس ١٩٨٥ حين طرّد الرئيس نميري الحركة الإسلامية من الحكم ووضع قياداتها في السجن عقب زيارة بوش الكبير نائب الرئيس الأمريكي حينها .. وسقط نظام مايو بعد أقل من شهر من طرد الحركة الإسلامية في يوم ٦ أبريل ١٩٨٥.

٢/ قامت الحركة بابتعاث كثير من خريجيها للدراسة في الدول الغربية على النفقة الخاصة (وهؤلاء فوق الذين ابتعثوا عبر التعليم العالي) منهم دكتور عوض الجاز وعثمان الهادي وعبد الوهاب الأفندي وأمين حسن عمر ومهدي إبراهيم وأحمد عثمان مكّي وآخرون ..
وعاد هؤلاء جميعاً قبيل الإنقلاب في ١٩٨٩ أو بُعيده للمشاركة في بناء دولة الإسلام (الاسم الرسمي – ثورة الإنقاذ الوطني) وتسنّموا مواقع قيادية في الدولة والتنظيم.
لعب المرحوم الدكتور التيجاني أبو جديري دوراً بارزاً في تنسيق البعثات الدراسية إلي الولايات المتحدة الأمريكية.
الانفتاح على الغرب سمح لهؤلاء الطلاب بالتفاعل والتعرف علي كوادر الحركة الإسلامية في الخليج والعالم العربي عبر المنظمات الطلابية والخيرية مما ساعد في تأسيس المنظمات الإسلامية السودانية لاحقاً.

٣/ تأسيس منظمات طوعية إسلامية فاعلة مثل منظمة الدعوة الإسلامية والوكالة الإسلامية الإفريقية للإغاثة والمركز الإسلامي الإفريقي (رُفّع لاحقاً إلي جامعة إفريقيا العالمية) .. وفّرت هذه المنظمات غطاءً للعمل التنظيمي بعيداً عن الأعين المتلصصة ووفّرت فرص عمل للكوادر التنظيمية وتفريغها للعمل التنظيمي, كما أن هذه المنظمات فرّخت مؤسسات اقتصادية خيرية معفاة من الضرائب ..
حيث أنجبت منظمة الدعوة الإسلامية إمبراطورية دانفوديو الاقتصادية وتعمل في المجالات الهندسية والتجارية ومنظومة مدارس المجلس الإفريقي للتعليم الخاص ومؤسسة أخرى خيرية طبية تعمل في الصحة والإمداد الدوائي وأفرخت الوكالة الإفريقية الإسلامية للإغاثة منظومة الرواسي التجارية وتعمل في مجال اللحوم والتجارة والمضاربات المالية فنالت هذه المؤسسات الخيرية نصيب الدنيا والآخرة وكنّ بارات بأمهن الحركة الإسلامية وتصب محصلة أنشطتها الخيرية في وعاء حركة الإسلام الواسع واستطاعت هذه المنظمات أن تحدث اختراقاً في حركة الإسلام في جنوب السودان وبعض من الدول الأفريقية

٤/ المركز الإسلامي الإفريقي (جامعة إفريقيا العالمية لاحقاً) كانت تجربة فريدة رائدة وهو منظمة خيرية تأسست بأموال خيرين خليجيين وتقوم على ابتعاث طلّاب مسلمين من الدول الآسيوية والأفريقية لدراسة اللغة العربية والعلوم الإسلامية بالمركز – مثل تجربة الأزهر بمصر – ومن هؤلاء المبعوثين كان أحد رؤساء الصومال في فترة ما بعد الحرب الأهلية وخرّج المركز والجامعة كثير من الموظفين الكبار وأطباء ومهندسين وكوادر في كل المجالات تكنّ للسودان حبّاً وولاءً ..وقد وطّد هذا المركز الوشائج مع أفريقيا خاصة بعد مجيء ثورة الإنقاذ الوطني الإسلامية في عام ١٩٨٩
وعمل المركز على إقامة دورات إسلامية لشاغلي المراتب الحكومية العليا في الخدمة المدنية والعسكرية وذلك في إطار أسلمة الدولة الذي تم في أواخر عهد حكومة مايو (نظام جعفر نميري)؛ ويسّرت مثل هذه الدورات للحركة الإسلامية التواصل مع رجال الدولة وضباط الجيش خاصة بعد استيلاء الحركة الإسلامية على الحكم.

٥/ الجمعيه الطبية الإسلامية تأسست في العام ١٩٨٣ وهي أحد فروع فيدرالية الجمعيات الطبية الإسلامية (FIMA). وتتكون من الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان والكوادر الطبية الأخرى وأسهمت في العمل الطبي الخيري إبّان الكوارث الصحية وفي إمداد المقاتلين بالمتطوعين من الأطباء في حرب الجنوب وحروب غزة والبلقان وهي منظمة صحية غير ربحية.

٦/ المصارف الإسلامية: أنشيء بنك فيصل في أواخر السبعينات (بتمويل من أمير سعودي) ثم تلاه بنك التضامن وبنك البركة الإسلاميين ولكن شهرة بنك فيصل كانت ضاربة وعلاقته بالإسلاميين بائنة لكل مراقب في إدارته العليا وموظّفيه ..وكانت هذه المصارف رائجة في منح التمويل الاستثماري والمضاربات الإسلامية وأفاد منها التجار والمهنيّون الإسلاميون أيّما فائدة في تطوير تجارتهم ومهنهم ..

وكانت كلّ هذه المنح في محنة المصالحة الوطنية التي أدّت لانشقاق الحركة ولكنه مثل انشقاق البيضة عن فرخ باز ذي مخالب وأنياب كاسرة ..
وقد أفادت الحركة الإسلامية من المصالحة مع نظام نميري وتغلغلت في نخاع الدولة السودانية فكانت مثل موسى الذي التقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً وهم لا يشعرون ..
فصارت مايو خلاصاً للإسلاميين صعدوا على ظهرها ونمو في كنفها وسمقت شجرة الحركة الإسلامية عالية غالية ترفرف فوق السارية راية الإسلام العالية بعد أن كانت منسية ومرمية علت كسيف الفداء المسلول الذي يشق أعداء الوطن عرضاً وطولاً لتبني الدولة الإسلامية ..

وكانت المشاركة في الحكم مع نظام جعفر نميري خير تدريب على لأواء الحكم وعنته ودهاليزه لحركة ناشئة فتية يقودها زعيم ذكي طموح
ونواصل ..

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x