عقار .. الطريق الثالث

عقار .. الطريق الثالث

تأملات
جمال عنقرة

عندما تأزمت الأوضاع في السودان في مطلع العام ٢٠١٩م، لا سيما بعد مساء الجمعة الثاني والعشرين من شهر فبراير ذات العام ٢٠١٩م، وهو اليوم الذي كان مقدرا له أن يكون اليوم الحاسم لعملية الهبوط الناعم لنظام الإنقاذ، وصعود منصة التحول السلمي الديمقراطي إلى منصة التتويج، والتي نؤرخ لبدايتها الفعلية بليلة الذكري الثامن والخمسين لاستقل السودان المجيد ليلة الأول من يناير عام ٢٠١٤م، وهي الليلة التي أعلن فيها الرئيس الأسبق المشير عمر البشير انطلاق مسيرة الحوار الوطني الشامل من داخل حدائق القصر الجمهوري بمشاركة ومباركة كل القوي الوطنية السياسية والمجتمعية وغيرها، وكرمت الحكومة في ذاك اليوم الزعيمين الوطنيين الكبيرين الإمام الراحل المقيم السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، الذي حضر بنفسه الإحتفال وقلده المشير البشير وسام التكريم، وكرم كذلك مولانا السيد محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل، وجاء نجله من القاهرة نيابة عنه، واستلم وسام التكريم من الرئيس عمر البشير، وكما هو معلوم فإن الراحل المقيم الدكتور حسن الترابي الأمين العام للمؤتمر الشعبي كان عراب كل ذلك، وعلي مدار ثماني سنوات من المساعي الوطنية صعودا وهبوطا في مسيرة الحوار الوطني بمشاركة أغلب أهل السودان، بلغ الأمر ذروته في يوم الجمعة الثاني والعشرين من شهر فبراير ٢٠١٩م، وهو اليوم الذي اكتمل فيه الإتفاق علي أن يعلن الرئيس البشير نهاية عهد حكم الإنقاذ، وبداية عهد انتقالي جديد لا تتجاوز مدته العام، يقود فيها البلاد رئيسا قوميا، ويتخلي عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني، ويحل كل أجهزة الحكم القومية والولائية، ويشكل حكومات كفاءات وطنية تدير البلاد إلى حين قيام انتخابات شاملة حرة نزيهة لا يترشح فيها مرة أخري، وبينما كان الناس كلهم يترقبون ذلك، وينتظرونه في حدائق القصر الجمهوري، وكان عراب هذا المشروع الأخير هو الفريق أول أمن المهندس صلاح عبد الله “قوش” وشاركه في ذلك وطنيون كثر من المؤيدين للانقاذ، ومن المعارضين لها علي حد سواء، يتقدمهم الإمام الراحل السيد الصادق المهدي، ونجله الأمير عبد الرحمن، الذي كان مساعدا للسيد رئيس الجمهورية، والقياديان البعثيان، الأستاذ محمد وداعة، والأستاذ كمال بولاد، وآخرون كثر، فلما تراجع البشير عن تنفيذ ما تم الإتفاق عليه مع اللجنة الأمنية، وخضع لضغوط بعض قيادات المؤتمر الوطني، وقدم خطابا مختلفا عن الخطاب المتفق عليه، ازداد الوضع توترا، وانقسم الناس بين ” تسقط بس” و “تقعد بس”، في هذه الأثناء ظهرت مبادرة خلاقة، قادها مساعد أول رئيس الجمهورية السيد الحسن الميرغني، الذي كان وقتها نائبا لوالده في رئاسة الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل.
كنت طرفا في تلك المبادرة التي احتضنها منزل ابن عمي الحبيب الفنان العالمي السفير علي مهدي نوري، في شارع الجزار بالرياض، وكان من اقطابها الفاعلين الأخ المرحوم السفير إدريس سليمان الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني آنذاك، والأخ الشيخ عبد القادر محمد زين القيادي في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني، والسفير الوطني المخضرم الشريف الدكتور علي يوسف أحمد، ورئيس الغرفة التجارية شيخ العرب المهندس يوسف احمد يوسف، والفنان العالمي الدكتور راشد دياب، وآخرون، وكنا نجتمع بصورة شبه يومية في بيت السيد علي مهدي، بحثا عن طريق ثالث بين “تسقط بس” و “تقعد بس” يجنب البلاد مخاطر الدخول في المجهول، وكان رأينا أن الدعوة لاستمرار النظام كما هو دون الاستجابة لدعوات التغيير المطلوبة، والمستحقة، مخاطره مثل مخاطر إسقاط نظام متمكن دون إعداد رؤية واضحة لبديل آمن، ولكن، وللأسف الشديد أن بعض الواهمين من الحاكمين، وبعض الذين يساندونهم، مع الطامعين من بعض المعارضين، مع بعض المتامرين، مع بعض الدول الإقليمية والدولية، افسدوا مشروع الطريق الثالث، وادخلوا البلاد في هذه الأزمة التي نسأل الله أن نخرج منها سالمين بجهود المخلصين من أبناء وطننا، وعلي رأسهم القائد ملك عقار وارث حكمة زعماء السودان، مع بعض اخواننا في الجوار الآمن، بقيادة الثلاثي المأمون، مصر والسعودية، وجنوب السودان، من بعد فضل الله تعالي ونعمته.
أزمة أزمات السودان المتازمة في هذا الوقت المازوم، تتمثل في وجود تيارين مأزومين، أحدهما يؤيد ويدعم ويساند ويساعد، ما تقوم به قوات الدعم السريع من عدوان ونهب وسلب، ودمار، واستباحة للدماء والأعراض، وانتهاك لكل الحقوق، بادعاء أن ذلك يمكن أن ذلك يمكن أن يأتي بحكم مدني ديمقراطي، التيار الثاني يدعو الى استمرار الحرب، ودعم القوات المسلّحة، واستنفار المجاهدين، حتى القضاء علي كل الدعامة، ومن يشايعونهم، وحتى ينطق الله الحجر والشجر، فيقول، يا سوداني هذا دعامي خلفي، اقتله، فيقتله، وهذا كله عندي هراء، واساند دعوة السيد عقار للطريق الثالث، وادعو الناس جميعا لمساندتها والوقوف معها.
مبادرة السيد عقار، تؤكد ابتداء علي أن الدعم السريع أضحي أكبر خطر يهدد السودان والسودانيين، وأن علي السودانيين جميعا مقاتلته صفا واحدا كالبنيان المرصوص، ودفع بقواته تقاتل إلى جنب مع القوات المسلّحة، ويقر أن الحرب مهما طالت واستطالت، ومهما حقق الجيش من نصر وانتصار، لا بد من الجلوس علي طاولة مفاوضات لوضع النقاط على الحروف، ويتحفظ السيد عقار علي كل المبادرات الخارجية تقريبا، ويبارك إعلان جدة، ويرحب بمرتكزات مبادرة دول الجوار التي تقودها مصر، ويدعو إلى حوار سوداني سوداني، لا يستثني منه أحد أبدا، كما يدعو الى ترفيع الحكومة الحالية من حكومة تكليف الي حكومة أصيلة ورفدها بكفاءات مهنية غير حزبية، قادرة ومقتدرة تقود الحكم في البلاد لفترة انتقالية محددة ومحدودة يتم التوافق عليها، تجري في نهايتها انتخابات عامة حرة ونزيهة لا يقصي منها أحد.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x