نظرات في الحركة الإسلامية السودانية-الحلقة (١) – النشأة والتطور

نظرات في الحركة الإسلامية السودانية-الحلقة (١) – النشأة والتطور

ألسنة وأقلام

بابكر إسماعيل

٣/ ١١/ ٢٠٢٣

بدأت حركة الإسلام في الأرض بنزول آدم عليه السلام من الجنّة وما تلاه من أنبياء خُتموا بالنبي العربيّ القرشيّ محمّد بن عبد الله ؛ الذي أقام خلفاؤه دولة راشدة علي هدي النبوة ثمّ تحوّلت بعد ذلك إلي ملك عضوض علي هدي النبوة ..

وتوسعت بعدها دار الإسلام وقامت سلطنات وممالك متفرّقة ومتفاوتة زمانياً تقترب وتبتعد عن هدي الإسلام ولا تضادّه .. حتي نشبت الحروب الصليبية ثم تلاها ما يُسمّي بالتنوير الأوروبي الذي أعقب الثورة الصناعية وتلى ذلك غزو العالم الإسلامي وغيره من بلدان العالم واحتلاله باسم الاستعمار ونشر الثقافة الغربية. وسعى الاحتلال الأوروبي اليهودي النصراني لعلمنة الحياة بعيداً عن الدين وأنشاً المدارس والجامعات والمؤسسات علي أسس علمانية تصادم العقيدة الإسلامية وتضعفها وسعى لتقوية الحركات النسوية التي تدعو لخروج المرأة من المنزل وخلع الحجاب ومشاركتها في سوق العمل وتغيير السمت والمظهر نحو الأسلوب الغربي ونشر مباديء العلمانية والنظريات الفكرية الغربية التي تدعو لفصل الدين عن الدولة وعن حركة المجتمع.

ظهر في القرن التاسع عشر الميلادي قادة ومفكرون مسلمون مثل جمال الدين الأفغاني (١)(١٨٣٩ – ١٨٩٧) وهم منفتحون علي الحضارة الغربية ويدعون كذلك للوحدة الإسلامية ضد الاحتلال الأوروبي .
تأثر الشيخ محمد عبده (١) (١٨٤٩ – ١٩٠٥) بجمال الدين الأفغاني وكان يكتب في جريدة الوقائع المصرية ويدعو لتجديد الفكر الإسلامي وعمل مفتياً للديار المصرية وشارك في ثورة عرابي ضد الخديوي وهرب إلي باريس وأسس جريدة العروة الوثقي ..
وممن تأثروا بالشيخ محمد عبده السيد رشيد رضا (١) (١٨٦٥ – ١٩٣٥) صاحب مجلة المنار وكان مسلماً سنياً سلفياً ودعا لقيام خلافة إسلامية علي أنقاض الدولة العثمانية.

الإمام حسن البنا (١) (١٩٠٦ – ١٩٤٩):
تخرج مدرّساً من دار العلوم بجامعة القاهرة. حفظ في صغره القرآن وتفقه علي يد والده العالم الأزهري أحمد البنا وتصوف علي الطريقة الشاذلية الحصافية ثمّ تأثّر بالنهج السلفي لدى الشيخ رشيد رضا صاحب المنار.

أسس حسن البنا في ٢٢ مارس عام ١٩٢٨ جماعة الإخوان المسلمين وعمره ٢١ عامًا (١) وهي حركة إسلامية دعوية ومستنداً إلى آرائه وأطروحاته لفهم الإسلام المعاصر حيث قال:
«إن الإسلام عقيدة وعبادة ووطن وجنسية ودين ودولة وروحانية وعمل ومصحف وسيف»، ودعا إلي الإصلاح الأخلاقي التدريجي بالطرق السلمية.
ودعا البنا المسلمين إلى الاستعداد للكفاح المسلح ضد الحكم الاستعماري، وحذر المسلمين من «الاعتقاد السائد» بأن «جهاد القلب» أهم من «جهاد السيف». كما سمح بتشكيل جناح عسكري سري داخل جماعة الإخوان المسلمين لاستهداف تمركزات الإنجليز في مصر وكذلك لمحاربة العصابات الصهيونية في حرب ١٩٤٨ وكان ذلك كله في ظل تشتت الأمة الإسلامية ووقوعها تحت الاحتلال البريطاني والفرنسي والإيطالي وتأثير الفكري الأوروبي العلماني.
دعا البنا الناس إلى العودة إلى الإسلام وسعى لنشر مبادئ الإسلام في جميع المدن المصرية والريف وقد بلغ عدد المنضمين لجماعة لإخوان قبل وفاته أكثر من نصف مليون فرد من جميع أطياف المجتمع المصري.
توجّت جماعة الإخوان المسلمين المصرية نشاطها السلمي في المجتمع المصري بفوز عضو الجماعة ورئيس حزب التحرير والعدالة السيد محمّد مرسي (١٩٥١ – ٢٠١٩) بلقب أول رئيس مصري مدني ومنتخب (يونيو ٢٠١٢ – يوليو ٢٠١٣).

وجدت جماعة الإخوان المسلمين طريقها إلي السودان عبر منسوبيها من المدرّسين والموظّفين المنتدبين للعمل بالحكومة السودانية التي كانت تتبع للتاج المصري وكذا عبر الطلاب السودانيين الذين سافروا للدراسة بمصر وانضموا للجماعة ومن هؤلاء؛ الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد من مواليد الرهد (١٩٢٦ – ٢٠١٨) (٢) وهو من الذين التقوا بالإمام حسن البنا إبّان دراسته بجامعة القاهرة (قسم الحقوق). والمرحوم علي طالب الله (١) (١٩١٠ – ١٩٨٤) وهو من مواليد القطينة وتخرج في كلية غردون التذكارية وكان أول مراقب للإخوان المسلمين – فرع السودان بتكليف مباشر من الإمام حسن البنا. شارك علي طالب الله في النضال الوطني السوداني وساهم في تأسيس مؤتمر الخريجين وكان عضواً بالمجلس الستيني للمؤتمر واعتقله الإنجليز بسبب نشاطه السياسي وفصلوه من عمله الحكومي وأُعيد لوظيفته قبيل الاستقلال.
السيد علي طالب الله هو الذي وضع اللبنة الأولى لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين بالسودان وتأسيس فروعها بالولايات المختلفة ومعه آخرون منهم: محمد كرّار وإبراهيم المفتي والشيخ القاريء عوض عمر الإمام ودفع الله الحاج يوسف رحمهم الله أجمعين.

أسس جمال الدين السنهوري بتكليف من الجماعة الأم فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين بالسودان في العام ١٩٤٩ والذي عقد أول مؤتمر له في العام ١٩٥٤م حيث تبنّوا اسم الإخوان المسلمين وانشق عنهم السيّد بابكر كرّار بسبب رفضه اسم الإخوان المسلمين (١).

ثمّ تلى ذلك انضمام حسن الترابي للجماعة إبّان دراسته بجامعة الخرطوم وتزعّم الجماعة لاحقاً بعد عودته من بعثته عقب ثورة أكتوبر ١٩٦٤ .. وتلى ذلك تكوين جبهة الميثاق (وهي تحالف إسلامي عريض) والتي دعمت الدستور الإسلامي عبر نوّابها في فترة الديمقراطية الثانية (١٩٦٥ – ١٩٦٩) وأيّد نوّاب الجبهة قرار حلّ الحزب الشيوعي السوداني بالتحالف مع رئيس مجلس السيادة آنذاك السيّد إسماعيل الأزهري وتبنّوا الدستور الإسلامي ولم يستمر هذا البرلمان طويلاً فقد أطاح انقلاب اليسار (الحزب الشيوعي والبعثيين والوحدويين العرب) بقيادة العقيد جعفر نميري في مايو ١٩٦٩ بالديمقراطية الثانية وحُلّت جبهة الميثاق الإسلامي وأُودع زعيمها حسن الترابي المعتقل.

شارك الإخوان المسلمون في الجبهة الوطنية المقاومة لحكم اليسار السوداني مع حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي وكان يقود هذه الجبهة الشريف حسين الهندي وختمت الجبهة نضالها ضد حكم نميري بهجوم عسكري كبير ومدعوم من قذافي ليبيا في ٢ يوليو ١٩٧٦ (سمّاها نظام نميري بالغزو الليبي الفاشل) .. وتمكن الجيش السوداني من صدّ الهجوم (الذي تعورف عليه في إعلام الحكم المايوي بهجوم المرتزقة) وأعقبت ذلك مصالحة وطنية مع نظام نميري في العام ١٩٧٧م.
انسلخ عن هذه المصالحة السيّد الصادق المهدي بعد مشاركة قصيرة في اللجنة المركزية بالاتحاد الاشتراكي (الحزب الحاكم الأوحد حينها) ورفضها من قبل الشريف حسين الهندي وصمدت جماعة الإخوان المسلمين لوحدها علي تصالحها مع نظام نميري فأُخرج الدكتور حسن الترابي من معتقله إلي عضوية اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ثم مستشاراً للرئيس نميري ونائباً عامّاً وظلّ الإخوان المسلمون مشاركين في نظام مايو حتي سقوطه في ٦ أبريل ١٩٨٥.
تعرّضت جماعة الإخوان المسلمون لانشقاق غير مؤثّر عقب المصالحة الوطنية قاده الأستاذان الصادق عبد الله عبد الماجد والحبر يوسف نور الدائم احتجاجاً علي المصالحة الوطنية واحتفظ الشق الذي انقسم باسم الجماعة الأصليّ “الإخوان المسلمون” وابتكر جناح الدكتور الترابي عدة أسماء سنعرض لها لاحقاً.

———————————————————
المراجع
(١) ويكيبديا
(٢) موقع الجزيرة الإلكتروني

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x