مصر والسودان .. حتة واحدة

مصر والسودان .. حتة واحدة

تأملات
جمال عنقرة

مرت أحداث كبيرة وعظيمة خلال الأيام الماضية، لم أمتلك معها الجرأة الكافية لقطع سلسلة مقالات “ثورة ديسمبر .. الحكم بعد المداولة” لكنني ضعفت تمام أمام واقعة المدرسة المصرية، التي أكدت ما ظللنا نردده لعشرات السنين، أن مصر والمصريين، بالنسبة لنا نحن أهل السودان، لا أقول لا مثيل لهم، ولكن لا يوجد حتى من يقاربهم، لا من الشعوب، ولا من الحكومات.
والواقعة التي اعنيها هي تلك التي حدثت في واحدة من آلاف المدارس المصرية التي يدرس فيها طلاب سودانيون، وفي هذه المدرسة لاحظ مشرف طابور الصباح أن بعض التلاميذ السودانيين، يقفون جانبا، ولا يرددون مع زملائهم النشيد الوطني المصري، فلما سألهم، قال له أحدهم هذا نشيد مصر، ونحن سودانيون، ثم انفجر باكيا، فأخذه إلى مدير المدرسة، فلما سمع المدير القصة، أخذته هو كذلك عبرة مما آل إليه حال السودان وأهله، واصدر أمرا فوريا، أن يتم يوميا عزف النشيد الوطني السوداني بعد النشيد الوطني المصري مباشرة، فتداول الخبر في الوسائط، وسري بين الناس، فاصدر عدد من مدراء المدارس المصريين توجيهات مماثلة، فصار عدد من المدارس المصرية التي يدرس فيها طلاب سودانيون تعزف في طابور الصباح النشيد الوطني السوداني مع النشيد الوطني المصري، تقديرا لمشاعر الطلاب السودانيين، وتعبيرا رمزيا عن التضامن المصري مع السودان في محنته الحالية، ولتقديم رسالة للعالم كله فحواها أن “مصر والسودان حتة واحدة”
قد تبدو هذه الواقعة بسيطة، ولكنها في الواقع عظيمة جدا، ومهم جدا في هذا الظرف الوقوف عند مثل هذه الأحداث المهمة، لا سيما وأن كثيرين لا يقدرون الموقف المصري الرسمي والشعبي مع السودان والسودانيين في هذا الابتلاء العظيم، بل بعضهم يسعون إلى تغيير الحقائق، ولعل المثال الاوضح في ذلك هو إجراءات دخول السودانيين إلى مصر بعد حرب أبريل اللعينة، فالبعض يذكرون وقف مصر العمل بالحريات الأربع، ويتناسون أن مصر في بداية الأزمة تخلت عن كل ضوابط السفر، واستقبلت سودانيين جوازات سفرهم منتهية الصلاحية، وسمحت بإضافة الأبناء بالقلم، وهذا ممنوع تماما، بل سمحت للسودانيين دخول مصر بوثائق سفر اضطرارية، وهذا لا يحدث في اي بلد في العالم، ولم توقف مصر ذلك إلا بعد أن ظهرت آلاف من حالات الغش والتزوير.
آخرون يتحدثون عن صعوبة الحصول علي تأشيرات الدخول إلى مصر، وأن البعض ينتظرون عدة شهور في بورتسودان أو حلفا للحصول علي تأشيرة دخول، ويحملون وزر كل ذلك للسلطات المصرية، ولا أدري يعلم هؤلاء، أو لا يعلمون أن مئات الآلاف من السودانيين ينشدون السفر إلى مصر، وأن قنصلية مصر في بورتسودان وحدها، تستقبل يوميا آلاف الطلبات، وهو عشر أضعاف طاقتها، رغم أنها زادت ساعات العمل اليومية إلى الضعف، وحولت كل الموظفين للعمل في مجال التأشيرة، بمن في ذلك السفير نفسه رئيس البعثة الدبلوماسية المصرية في السودان كله، تحول إلى موظف تأشيرة.
وبالمناسبة فإن غير الآلاف الذين يطلبون تأشيرات عبر المنافذ المخصصة يوميا، هناك آلاف آخرون يأتون في قوائم حكومية علي مستويات مختلفة، هذا غير أصحاب العلاقات، والصلات، والاتصالات، وهلم جرا.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x