ثورة ديسمبر .. الحكم بعد المداولة “٣”

ثورة ديسمبر .. الحكم بعد المداولة “٣”

تأملات
جمال عنقرة

ذكرت في المقال السابق أن حركة الإصلاح والتغيير في السودان، والتي لم تتوقف منذ أيام الإنقاذ الأولي، وشاركت فيها كل القوي الوطنية والشعبية والعسكرية، بلغت ذروتها في العام ٢٠١٨م، وكان إيقاع التغيير السلمي الديمقراطي قد ارتفعت وتيرته في مطلع العام ٢٠١٤م، مع انطلاق الحوار الوطني، ولو يذكر الناس في احتفالات البلاد باعياد الاستقلال المجيد كرمت الحكومة الزعيمين السيدين الإمام الصادق المهدي له الرحمة والمغفرة، ومولانا محمد عثمان الميرغني، وحضر السيد الصادق الإحتفال بنفسه، واستلم التكريم من الرئيس البشير، وبعث السيد محمد عثمان نجله من القاهرة، واستلم التكريم نيابة عنه من الرئيس البشير، وكما هو معلوم أن القادة الوطنيين الكبار – المهدي، الميرغني، الترابي، نقد والهندي – كان لهم اسهام كبير في حركة التغيير السلمي الديمقراطي، ولعل الناس يذكرون أن الأمن بعد ما كشف مخبأ السيد نقد، لم يسع لاعتقاله، ولكنه جعل من ذلك فرصة لبداية حوار مع الحزب الشيوعي السوداني، فزاره مدير جهاز الأمن في ذاك العهد الفريق صلاح قوش، ولم تتوقف بعد ذلك مشاركة السيد نقد في الحوار من أجل التغيير السلمي الديمقراطي، وأذكر مرة كنا في جلسة حوار مع الدكتور غازي صلاح الدين في منزله في بحري عام ٢٠١٤م فسأله احد الزملاء “يقال أن دكتور الترابي ماسك دركسون الحوار؟” فقال له دكتور غازي “الترابي أصلا ما فك الدركسون”، وتلك قصة تطول، ولكن الثابت أن السيد محمد عثمان الميرغني، كان سابقا وثابتا في الدعوة للوفاق الوطني، والسيد الصادق المهدي طرح مشروع التراضي الوطني، والدكتور الترابي قدم رؤية المنظومة الخالفة، أما الشريف زين العابدين الهندي فقد سبق الجميع نظريا وعمليا في قيادة مبادرة الحوار الشعبي الشامل.
الجمعة الثاني والعشرين من شهر فبراير عام ٢٠١٩م كان مقدرا له أن يكون يوم الحصاد الأكبر لعملية التغيير السلمي الديمقراطي التي بلغت ذروتها القصوي في ذاك اليوم، مهندس حركة التغيير الشامل الفريق أول أمن مهندس صلاح قوش جمع اللجنة الأمنية التي كانت تضم معه الفريق أول ركن عوض ابنعوف وزير الدفاع، والفريق أول شرطة الطيب بابكر مدير عام الشرطة، والفريق أول خلاء حميدتي قائد الدعم السريع، جمعهم علي رأي واحد، واجتمع معهم عليه الرئيس البشير، يتخلي البشير عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني، ويحل كل أجهزة الحكم التنفيذية والتشريعية القومية والولائية، ويشكل حكومة كفاءات وطنية غير حزبية، تدير البلاد وترتب لإجراء انتخابات عامة حرة نزيهة يشارك فيها الجميع في العام ٢٠٢٠م، ولا يترشح فيها البشير، وتم تكليف السيد صلاح قوش، بنقل هذا الإتفاق للقيادات الصحفية والإعلامية في البلاد، علي أن يعلنه الرئيس البشير للناس كافة في خطاب عام يقدمه مساء نفس اليوم في حدائق القصر الجمهوري، وبالفعل ذهب صلاح قوش والتقي الإعلاميين ونقل لهم ما تم الإتفاق عليه، وبدأوا التبشير به، أما الرئيس البشير فطلب قبل أن يذهب لمخاطبة الشعب من حدائق القصر الجمهوري أن يذهب للقاء أعضاء المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، واطلاعهم علي الإتفاق قبل إعلانه علي الملأ، فذهب إليهم حيث كانوا يجتمعون، واحتشد آلاف من قيادات ورموز السودان في حدائق القصر ينتظرون الخطاب البشارة، وبعد إنتظار دام ساعات، جاء البشير وقدم خطابا مختلفا تماما عن الذي تم الإتفاق عليه، وعن الذي كان ينتظره الشعب.
نواصل بإذن الله تعالى

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x