ثورة ديسمبر .. الحكم بعد المداولة “٢”

ثورة ديسمبر .. الحكم بعد المداولة “٢”

تأملات
جمال عنقرة

استعرضت في المقال السابق بعض محاولات الإصلاح والتغيير، وكذلك محاولات إسقاط نظام الإنقاذ علي مدار سنوات حكمها الثلاثين، والتي شاركت فيها كل القوي السياسية والشعبية، وكذلك العسكرية، سواء من داخل القوات المسلحة، أو من الحركات المسلحة، ولعلنا قد لاحظنا تنوع أشكال المدافعة للانقاذ، وقصدت من ذلك السرد التأكيد علي أن المظاهرات التي انطلقت في ديسمبر ٢٠١٨م ليست هي التي أسقطت نظام الإنقاذ، وبالطبع فإن القوي والأحزاب السياسية التي احتكرت حضانة الثورة لم يكن دورها في الثورة معشار أدوار القوي الوطنية الأخري التي ظلت تدافع نظام الإنقاذ طوال سنوات حكمها، وكما ذكرت في مقال الأمس فإن هذا الاختزال كان أول خطوات تحويل منحة ثورة ديسمبر إلى محنة.
الأحزاب والقوي السياسية التي ادعت صناعة الثورة، أكثرها أحزاب مصنوعة، وليس لها تاريخ، ولا جذور، وحتى التي ارتبطت اسما باحزاب تاريخية عريقة، ليس لها صلة بتاريخها، ونضالها، وكسبها، سوي التمسح بالإسم، وينطبق هذا علي حملة اسم الحركة الإتحادية، أما حزب الأمة القومي رغم أنه حافظ علي كيانه وقيادته التاريخية ممثلة في الإمام الراحل السيد الصادق المهدي، لكنه تأثر بما وصفه به القيادي الأنصاري الأصيل الراحل المجاهد عبد الرسول النور، فكان عبد الرسول النور يرحمه الله قال إن السيد الصادق أبعد أهل المواجهة، وقدم أصحاب الوجاهة، وكثيرون من هؤلاء صار بيدهم الحل والعقد في الحزب بعد الثورة فقادوه إلى غير ما كان ينبغي له أن يسير، ويقود الآخرين معه، أما ادعياء الثورة من منسوبي المؤتمر هم ليسوا دخلاء علي المؤتمر الشعبي فحسب، بل هم دخلاء علي الحركة الإسلامية، بل دخلاء علي الحركة السياسية كلها.
وهناك سؤال مهم لا بد من الوقوف عنده، هل مظاهرات ديسمبر والتي نسبت الثورة لها هل كانت هي السبب المباشر في إسقاط نظام الإنقاذ؟
وأول ما نقوله في ذلك أن مظاهرات ديسمبر ٢٠١٨م لا تكاد تقارن بمظاهرات سبتمبر ٢٠١٣م، هذا فضلا عن أن مظاهرات ٢٠١٣م كانت سياسية، بينما مظاهرات ٢٠١٨م كانت مطلبية محضة، وكانت بسبب غلاء المعيشة، الفرق الأساسي أنه في عام ٢٠١٣م كانت الجبهة الداخلية للانقاذ متماسكة، وموحدة بينما بلغت الصراعات ذروتها في العام ٢٠١٨م بين دعاة التغيير، وبين الذين يصرون علي أن تظل الإنقاذ كما هي، ومعلوم أنه في ذاك العام ٢٠١٨م حدث تغييران مهمان، عودة الفريق صلاح قوش لقيادة جهاز الأمن والمخابرات، وتعيين الدكتور محمد طاهر إيلا رئيسا لمجلس الوزراء، وبدأ الرجلان ثورة إصلاح واسعة، فبينما بدأ إيلا العمل لإصلاح الجهاز التنفيذي، قاد قوش ثورة إصلاح سياسي واقتصادي، ولعل الناس يذكرون حملة الاعتقالات الواسعة التي شنها، وطالت عددا من الأثرياء المحسوبين علي المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، وانتهي بعضها إلى تسويات أدخلت مئات الملايين من الدولارات إلى خزينة الدولة، ثم قاد حوارا سياسيا واسعا مع كل قوي واحزاب المعارضة، ولم يستثن الحوار حتى الذين كانوا في السجون والمعتقلات، وتوج ذلك باقناع الرئيس البشير بمرتكزات التغيير الأساسية، أن يتخلي عن رئاسة المؤتمر الوطني، ويحل كل أجهزة الحكم الإتحادية والولائية، ويقوم بتشكيل حكومة كفاءات وطنية قومية تدير شؤون الحكم إلى حين إجراء انتخابات عامة حرة نزيهة في العام ٢٠٢٠م، ولا يترشح البشير في هذه الإنتخابات.
نواصل بإذن الله تعالى

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x