عائشة موسى .. قون العشية

عائشة موسى .. قون العشية

تأملات
جمال عنقرة

السيدة عائشة موسي عضو مجلس السيادة المستقيلة، لها عندي شخصا واسما تقديرا خاصا، فهي من بنات أخوالي الجلابة الهواري، ولأخوالي وعترتهم الكريمة معزة ومحبة، ويستوي في ذلك الغلفان، والجلابة الهواري، وتقلي، ولكل منهم ميز، وللجلابة فوق الميز وصية حبوبتنا هجرة اخت المامور حسين والد الشهيد المقدم حسن حسين قائد حركة سبتمبر ١٩٧٥م العسكرية، وتجمعني مع السيدة عائشة مدينة الأبيض عروس الرمال أبو قبة فحل الديوم، وعروس الرمال فضلا عن كوني قضيت فيها أهم فترة في حياتي، حيث درست فيها المرحلتين الوسطي والثانوي، وفي مدرستين قوام طلابهما واساتذتهما من أبناء الأبيض المدينة، ففضلا عن ذلك، فإن معالم شخصيتي تكونت في الأبيض، وأوسع واعمق علاقاتي فيها، وأذكر سألني مرة قائد نهضة كردفان أخي العزيز مولانا أحمد محمد هارون باستغراب عن دفعتي في الأبيض، فلما سألته عن سر الاستغراب، قال إنه وجد شخصيات ليس بينها رابط عمري، أو تعليمي، وكلهم يقولون أنهم دفعة جمال عنقرة، فقلت له أن الذين عاصرتهم في مدرستي عاصمة كردفان المتوسطة والأبيض الثانوية ثمانية دفعات تقريبا، قبلي وبعدي، وفي الأبيض الثانوية كانت الدفعة خمسة فصول، وفي المدرستين سجلت حضورا مميزا بفضل الله تعالي، ففي عاصمة كردفان كنت أول الفصل، وكنت رئيس الجمعية الأدبية، ومشرفا علي كثير من الأنشطة الطلابية، وفي الأبيض الثانوية كنت السكرتير الثقافي لجمعية الجغرافيا، أم الجمعيات، وفي عهدنا تحول “منزلنا” الرياضي “دامبير” إلى أهم منزل، واستطعنا بعلاقاتنا الإجتماعية أن نحوله إلى منزل شعبي، يشارك كل منسوبيه في التشجيع، وكنت لاعبا اساسيا في كل الألعاب، القدم، السلة، الطائرة، واليد، ولما ذهبنا لدراسة الجامعة في مصر، كونا رابطة طلاب أبناء إقليم شمال كردفان “راشك” وكانت الرابطة الأهم بين كل روابط الأقاليم الأخري، وفي تلك المراحل زاملت آلاف من أبناء الأبيض، وتلك بعض مما يجمعني بالأبيض وأهلها، والسيدة عائشة موسي من أهل الأبيض، وعائشة موسي الإسم، له عندي أيضا تقدير خاص، فعندما كان الشباب يفضلون من المطربين السودانيين إبراهيم عوض وعثمان حسين، وأحمد المصطفي، ومحمد وردي، كان فناني المفضل إبراهيم الكاشف، واخته الفلاتية “عائشة موسي” وعائشة موسي كانت مثل الكاشف عبقريتها ممتدة، ومن عبقرياتها أنها لما زارت مصر في ستينيات القرن الماضي سجلت معها المذيعة نجوي إبراهيم حوارا لإذاعة القاهرة فقدمتها “أم كلثوم السودان” فقالت عبقرية الغناء السوداني عائشة موسي “انتوا هنا قاعدين تقولوا لأم كلثوم فلاتية مصر؟” فاوقفت نجوي التسجيل وأعادت التقديم متجاوزة “أم كلثوم السودان” وعائشة موسي الإسم مطربة شابة ظهرت في السنوات الأخيرة لم يسبقها أحد في إجادة أداء أغنيات الراحلة المقيمة عائشة موسي.
بتلك الظلال الوجدانية استقبلت الظهور الثاني للسيدة عائشة موسي، غير متجاهل ظلال مواقف الظهور الأول في مجلس السيادة، لكنني لم أنظر إليه بعين سخط، فبدا لي كثير مما رآه آخرون مساوئ، محاسن.
وبرغم أني لم أكن متفقا معها في الأسباب التي دعتها لتقديم استقالتها من مجلس السيادة، لكنني أكبرت فيها وضوح الموقف، وقوة التعبير، وكما هو معلوم أن أدب الاستقالة عندنا في السودان معدوم، لا سيما في مجال المناصب الدستورية، فالسياسيون عندنا يعملون بفقه أم العروس “ترفض اللحم وتأخذ الفلوس” ولكن السيدة عائشة موسي غير، انتصرت لموقفها وركلت الوظيفة.
وبهذه الخلفية نظرت إلى ظهورها ولم أجده كما رآه آخرون لصالح جهات أو مصالح خاصة، والراجح عندي أنه موقف من أجل الوطن، ولحقن الدماء العزيزة التي تسيل منذ أن أشعلت المليشيا المتمردة حرب الفتنة اللعينة خواتيم النصف الأول من شهر أبريل الماضي، ويدعم موقفها أن كل من عرفت من الأسماء التي رشحت ضمن صحبتها في المبادرة من المتوازنين الذين حافظوا علي استقامة موقفهم الداعي إلى وسطية وتوسط، ومن هؤلاء الدكتور الشفيع خضر، والبروفيسور منتصر الطيب، والشيخ أحمد الطيب زين العابدين، ولذلك لم أجد حرجا في الاستجابة لطلب الناظر ترك للتواصل معهم، وفتح نوافذ حوار يشمل كل مكونات السودان المختلفة السياسية وغير السياسية.
صحيح أن هناك متغيرات كبيرة، ومياه كثيرة جرت تحت الجسر، وفوقه، يجب أن تستوعب، ولا بد أن السيدة عائشة موسي وأصحابها يستوعبون ذلك تماما، نتفق معهم أن وقف الحرب هو أولي الخطوات، لكنه يكون علي أساس إعلان جدة، ومبادرة دول الجوار، فيكون مدخله خروج المقاتلين المتمردين من كل الاعيان المدنية، وأن حكاية “طرفي نزاع” هذه قد انتهت تماما، ولا عودة لجيشين مرة أخري، فلا مكان بعد اليوم لجيش آخر غير جيش الدولة الوطني القومي، وأن شأن السودان يهم أهله في المقام الأول، ولا كلمة تعلو علي كلمة أهل السودان، والسودانيون جميعا سواسية، لا تفضيل لأحد، ولا عزل لأحد، فردا كان أو جماعة، إلا من أبي، وأن ما يتم التوافق عليه مرحلة انتقالية تجري بعدها انتخابات حرة نزيهة، هذه الفترة لا مجال فيها لمحاصصات حزبية البتة، وبناء علي ذلك مرحبا بكل أهل السودان في موائد وطنية معافاة للحوار من أجل وطن يسعنا جميعا بإذن الله تعالي.
ومرحبا بالسيدة عائشة موسي في ظهورها الثاني في الدقائق الأخيرة، ونسأل الله أن يحقق فيه هدف النصر، وقديما كان يقول أهل الرياضة “قون العشية أحسن من مائة”

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x