تأملات
جمال عنقرة
أحداث باشدار.. دعوة للحسم

تأملاتجمال عنقرةأحداث باشدار.. دعوة للحسم


كنت مترددا في الذهاب إلى الخرطوم المدينة نهار يوم أمس الثلاثاء بسبب المواكب التي دعت لها مركزية الحرية والتغيير، تعبيرا عن رفضها وشجبها وادانتها لأحداث العنف القبلي التي وقعت في ولاية النيل الأزرق وراح ضحيتها عدد مقدر من المواطنين الأبرياء، إلا أن أمرا ملحا اضطرني إلى عبور الجسر، عبر كوبري الفتيحاب الذي أطلق عليه النظام الذي انشاه “كوبري الإنقاذ” إلا أن هذا الإسم لم يعد يرق لبعض ثوار اليوم، فنقول تعاطفا مع مشاعرهم “كوبري الفتيحاب” والفتيحاب أهلنا، ويستحقون التخليد، عموما وصلت الخرطوم، وكنت حريصا علي الخروج منها سريعا قبل أن “تكتم” إلا أن “لولوة” ناس السودان اضطرتني للبقاء حتى الثانية بعد الظهر، وما أدهشني في طريق العودة أني لم أجد أية مظاهر لمظاهرات، أو مسيرات، ولقد كنت في العمارات، وعدت بشارع محمد نجيب إلي الخرطوم٢، ومنها عبر شارع بيوكوان إلى شارع القصر، حتى بوابة القصر الجمهوري الجنوبية، في شارع الجامعة إلى شارع النيل، ومنها إلى كوبري النيل الأبيض وعدت إلى أم درمان، وتوقعت أن يكون قد حدث شئ ما ألغي هذه المظاهرات، ولما وصلت البيت قرأت في الأسافير أن اشتباكا قد وقع في منطقة باشدار بين الثوار ولجان المقاومة مع موكب مركزية الحرية والتغيير الذي كان يتقدمه قيادات المركزية المهندس خالد عمر يوسف “خالد سلك” والسيد محمد الفكي سليمان، والسيد صديق الصادق المهدي، ثم قرأت تصريحا متداولا للمهندس مبارك أردول الأمين العام للحرية والتغيير مجموعة الميثاق الوطني، وهي المجموعة المنشقة عن المركزية، وصاروا يقودون تيارا مناوئا.
لست ضد مجموعة المركزية ولا معها بالطبع، ولا أدعم مجموعة الميثاق الوطني، ولا مع الداعين إلى حكم العسكر، بل أعارضه تماما، لكنه من الواضح أن القوي السياسية المتعارضة كلها تقود السودان إلى منزلق خطير، وما جري يوم أمس ليس صراعا بين المدنيين والعسكريين، ولكنه صراع بين المكونات المدنية فيما بينها، فهناك صراع أولا بين أدعياء الثورة، بين الحرية والتغيير وبين لجان المقاومة، وبين الحزب الشيوعي، ثم هناك صراع آخر بين الذين كانوا في حضن العسكر، وبين الذين يسعون إلى أحضان العسكر، وليس هذا الصراع ولا ذاك خافيان علي أحد، فلقد أصدرت لجان المقاومة أكثر من بيان قبل ذلك اتهمت فيه مركزية الحرية والتغيير بأنها تسعي لتجيير المظاهرات لصالحها، وهددوا بأنهم لن يسمحوا لهم باستثمار جهد الشعب مرة ثانية، وهم يتهمونهم بأنهم قد سرقوا جهد ثوار ديسمبر، وحكموا البلد أول عهد الثورة بالتعاون مع العسكر، ومعلوم كذلك أن الحزب الشيوعي أيضا قد وجه عددا من الإتهامات إلى مركزية الحرية والتغيير، وهددها، وتوعدها، وما جري اليوم في باشدار هو صراع بين المركزية من جهة، وبين الحزب الشيوعي ولجان المقاومة من جهة أخري، ثم دخلت جبهة أخري في الصراع هي مجموعة الميثاق الوطني، وتصريح المهندس أردول هو للشماتة، وليس للتعاطف، والشجب والادانة كما يزعم، وظهر كثيرون من منسوبي النظام السابق من الذين لا يزالون يحلمون بالعودة إلى الحكم علي انقاض هذا النظام، الذي يتجه نحو الانهيار، وبدأ ذلك في عدد من “اللايفات” والتسجيلات التي تسخر مما جري، وكله صراع ليس للشعب السوداني ناقة فيه ولا جمل.
لذلك نقول، بعد أن تأكد تماما أن القوي السياسية السودانية لا تتوافق، ولن تتوافق، نقول أنه قد حان الأوان الذي يجب أن يتخذ فيه السيد البرهان قرارا حاسما، يقطع به دابر هذه الأزمة، ويقطع الطريق أمام كل الذين يتاجرون بالشعارات، ويتلاعبون بمصائر البلاد والشعب، ويفي بوعده الذي قطعه علي نفسه، وعلي المؤسسة العسكرية أمام الله والشعب، ويعلن تشكيل حكومة كفاءات وطنية حقيقية ليس فيها حزبيين، لا من المركزية، ولا من الميثاق، ولا من الفلول، ولا من أدعياء نصرة القوات المسلحة، ثم ينسحب الجيش تماما من الصراع السياسي، ويتفرغ لحراسة البلد حراسة كاملة، حراسة أمنية وسياسية ومجتمعية وغيرها، ويتابع ويراقب ويحمي مسيرة التحول الديمقراطي إلى أن يتم إختيار أجهزة الحكم المنتخبة، ثم يعود الجيش إلى ثكناته، ويكون الأمن والأمان قد عادا إلى السودان وشعبه، بإذن الله تعالي القادر القدير.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x