محمد محمد خير .. شكراً جميلاً .. ولكن

محمد محمد خير .. شكراً جميلاً .. ولكن

تأملات
جمال عنقرة

كثيرون اتصلوا علي معاتبين لعدم ذكري الأخ الزميل الأستاذ محمد محمد خير في مقالي عن دعوة الأخ هشام السوباط للصحفيين والإعلاميين، والذي تحدثت فيه باستفاضة عن حديث أخي حسين خوجلي، وكنت قد جعلته عنوانا للمقال “حسين خوجلي ومصر .. حب رغم الظروف” فقلت للذين سألوا وتساءلوا، أني قصدت عمدا عدم ذكر الأخ محمد محمد خير، ليس تجاهلا، ولكنه كان قد ذكر حديثا مهما لا يجوز أن نلحقه بمقال قصدنا به غيره، وهانذا أكتب هذا المقال وفاء لما وعدت به.
قال الأخ محمد محمد خير أنه قبل بضعة وثلاثين عاما، ويعني العامين الأولين لعهد الإنقاذ في مطلع تسعينيات القرن الماضي لم يكن يعرف من الإسلاميين غير جمال عنقرة، وحتى جمال عنقرة الذي كان يعرفه، التقاه مرة في القاهرة في منتزه “الميرلاند” في مصر الجديدة هو وأسرته، لكنه لم يسلم عليه، وانتهز تلك الفرصة وقدم لي اعتذارا أمام الجميع علي الهواء مباشرة.
ورغم أني قدمت أيضا شكرا مباشرا للأخ محمد في تلك الجلسة السوباطية الرائعة البديعة، لكنني أقول له اليوم، وعلي ملأ أكبر من ذاك النفر الكريم من الأحباب والأصحاب والزملاء، أقول للأخ الأستاذ محمد محمد خير .. شكرا جميلا، علي هذا الموقف النبيل، ثم أقول بعضا مما قلت في تلك الجلسة تعليقا علي ما ذكره الأستاذ محمد، وازيد عليه بعضا من ذكريات تلك الأيام.
في تلك الأيام كنت أسكن في شارع الأندلس بجوار منتزه الميرلاند، وكانت لي ساعات ثابتة يوميا في المنتزه ادون فيها ما يتيسر من صفحات كتابين كنت اعدهما في وقت واحد “أيام مع جعفر نميري .. أسرار ومواقف” وهو كتاب سجلت فيه مشاهد مهمة من الفترة التي قضيتها مستشارا إعلاميا وسياسيا للرئيس الراحل المشير جعفر محمد نميري أثناء فترة إقامته في مصر بعد سقوط حكمه في السادس من أبريل عام ١٩٨٥م وحتى بعد نحو عام من سقوط حكومة الديمقراطية الثالثة ومجيء الإنقاذ، وصدرت منه طبعتان نفذتا جميعا، والثاني كراسة عنوانها “السودان .. بين قهر السلطة وعنف المقاومة” والعنوان مقتبس من أول خطبة عيد أضحى في عهد الإنقاذ، قدمها الإمام الراحل السيد الصادق المهدي في مسجد الخليفة عبد الله في أم درمان، وحذر فيها الإمام الراحل من ضياع السودان إذا استمر الحال هكذا، قهر حكومة، وعنف مقاومة، والكراسة نصرة لما دعا إليه الإمام الراحل من حوار وطني قومي شامل، واصطبر عليه إلى لاقي ربه شهيدا في دربه، ولا نزال في ذات الدرب سالكين ومرابطين، وكنت اخصص ساعات الخميس او الجمعة من كل أسبوع لأنس أسري يشاركني فيه أبنائي خالد وسارة ويسرا، وأمهم الأستاذة نجوي عوض الكريم حمزة، التي كانت من نجمات الصحافة السودانية الساطعات في ثمانينيات القرن الماضي في صحيفة “الأيام” وصادف ذاك اليوم الذي شاهدنا فيه الأستاذ محمد في الميرلاند يوما أسريا، فمر بجوارنا ولم يلق علينا تحية السلام كما ذكر.
وتشاء أقدار الله أن أسافر إلى السودان بعد أيام قليلة من واقعة الميرلاند، وفي اليوم الثاني لوصولي قابلت شقيقة الأستاذ محمد في عمارة “الإمارات” بالسوق العربي، حيث ذهبت لقريبي وصهري وصديقي وزميلي الأستاذ محمد فرح عبد الكريم، ناشر صحيفة “المنتخب” وكان معه من الزملاء عادل كرار وعاطف الجمصي، فلما علمت شقيقته أني وصلت من مصر توا، حضرت إلى مسرعة تسأل عن شقيقها محمد بلهفة وشوق، وتطمئن علي صحته، فطمأنتها واخبرتها أني التقيته قبل أيام معدودة وهو بصحة جيدة، فاستأذنتني أن أحمل له وصايا مهمة، فحملتها، ووصلتها له بعد ساعات من وصولي القاهرة، ومنذ ذاك اليوم صارت علاقتي مع الأستاذ محمد محمد خير مثلها مع كل المعارضين الآخرين، وحدث ذلك قبل أن يتغير موقفه من الإسلاميين، وقبل أن يصير جزءا من نظامهم، ويعلم كثيرون أن الخلافات السياسية لا تقطع الوصل والتواصل بيني وبين كل أهل السودان.
حديث مهم جدا آخر ذكره الأستاذ محمد محمد خير في ذاك اللقاء السوباطي الفخيم، فلقد حث الزملاء الإعلاميين الذين تجمعهم منابر مع مناصري الدعم السريع من السياسيين أن يكونوا شرسين جدا، وألا تأخذهم فيهم رافة، وهذا حديث ممتاز، وهذا هو فقه الحرب، ونحن معه فيه، ولأهل السودان في ذلك مثل قوي “البجيك مشمر، انتظره عريان”، فلا بد أن نوحد صفنا، ونأتيهم بجنود لا قبل لهم بها، فإذا تحقق النصر، وهو قد لاحت بشائره، فذلك شأن له آخر، فقه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن دخل مكة فاتحا، وجلس أهلها منكسرين ذليلين، ضعفاء، وسألهم صلي الله عليه وسلم “ماذا تظنون أني فاعل بكم؟” فقالوا له “اخ كريم ابن اخ كريم” فقال لهم “اذهبوا .. فأنتم طلقاء” فدخلوا في دين الله أفواجا.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x