خطاب عقار .. قراءة متأنية

خطاب عقار .. قراءة متأنية

تأملات

جمال عنقرة

تأخرت في التعليق علي خطاب السيد مالك عقار المشهور لعدة أسباب، أهمها أن كثيرين تصدوا لنقد الخطاب دون أن يستمعوا له، وأقول دون أن يستمعوا له إمعانا في حسن الظن، ذلك أن الخيار الثاني، دون أن يستوعبوه، وهذا مستبعد في حق كثيرين من الذين تصدوا لنقد الخطاب، وأقول ذلك أن الخطاب لم يكن فيه شئ مفاجئ، وكل ما ورد فيه تقريبا ذكره السيد عقار خلال جولته الخارجية أكثر من مرة، وفي بعض المرات ذكره بتفصيل أكثر مما ورد في الخطاب، وحدث ذلك تحديدا في لقائه بالصحافيين والإعلاميين في دار سكن السفير السوداني بالقاهرة، وكنت أحد حضور هذا اللقاء مع نحو أربعين من الزملاء، وكنت قد سمعته قبل ذلك عندما التقيناه رفقة الأخ الدكتور محمد عيسي عليو نائب حاكم دارفور، وسمعته بعده عندما استقبلنا مع مجموعة من مؤسسي الجبهة الوطنية السودانية في رفقة الدكتورة إشراقة سيد محمود وآخرين، وكنت قد كتبت مقالا في تلك الأيام عن خارطة الطريق التي قدمها السيد عقار، ووصفتها في ذاك المقال بخارطة طريق الحكمة. وقبل الحديث عن ما ورد في خارطة الطريق، نقف أولا عند أكثر جزئية أغضبت كثيرين، وهي المتعلقة بحديثه عن المؤتمر الوطني والإسلاميين، وهو حديث يتكون من ثلاثة أجزاء، إثبات حق، ونصيحة، ورأي خاص، إثبات الحق ورد في قوله “لا يستطيع أحد أن يزايد عليكم في سودانيتكم، ولا في حقوقكم الكاملة كسودانيين” وقال في مطلع خطابه أن العملية السياسية بعد وقف الحرب يجب أن يشارك فيها كل السودانيين بلا إستثناء، والإشارة واضحة للمؤتمر الوطني والإسلاميين، وكان قد قال ذلك بصراحة في لقاءاته السابقة، وأذكر في لقائه مع الجبهة الوطنية قال “المؤتمر الوطني زي بيضة أم كيكي، قالوا كان شلتها بتقتل أبوك، وكان خليتها بتقتل أمك، المؤتمر الوطني كان خليتوا وراكم بكعبلكم وبرميكم، وكان سقتوه معاكم بسبقكم، هم بعرفوا الدرب، فسوقوه معاكم، واعملوا حسابكم، اقعدوا معاهم، وحاوروهم، فيهم ناس كويسين، هنا في مصر موجود الدرديري محمد أحمد، زول كويس اقعدوا معاه” وهذا إثبات حق، وشهادة لم يصرح بها مسؤول آخر غير السيد عقار، بمن في ذلك بعض الذين للمؤتمر الوطني افضال عليهم. الجزء الثاني هو النصيحة، وجاء فيها “المؤتمر الوطني يخطئ ويصيب، لذلك يجب أن تعودوا إلى نقد فترتكم منذ بدايتها، وليس من واقع ما بعد ١٣ أبريل، فراجعوا أين أصبتم وأين أخطأتم، وأن فوضي ما بعد ١٣ أبريل لن تكون بديلا تستمدون منه مشروعيتكم” وفي اعتقادي الخاص أن نصيحة السيد عقار غالية، وموضوعية، ومطلوبة، وبدأها بداية موفقة، باقراره أن التجربة فيها صواب، مثلما فيها الخطأ، وهي مهمة للذين يظنون أن حرب أبريل تجب ما قبلها، ولا بد من الوقوف هنا عند إشارة ذكية فقط للسيد عقار بتحديد ١٣ أبريل تاريخا للحرب، وهو اليوم الذي زاد فيه الدعم السريع من حشد قواته حول مطار مروي، وهذا قول فصل في أن الدعم السريع هو الذي بدأ الحرب. اما الجزء الثالث فهو الرأي، ورأي عقار لبضاعة المؤتمر الوطني أنها “منتهية الصلاحية” وقديما قالوا “إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية” ويكفي عقار أنه وحده الذي دعا إلى عدم إستثناء المؤتمر الوطني في العملية السياسية بعد وقف الحرب. مسألة ثانية أثارت خلافا في خطاب السيد عقار، هي اشارته إلى أن الحرب تتوقف علي مائدة تفاوض، وهذه أيضا أشار إليها بتفصيل في احاديثه السابقة، وكان قد قال أن الحرب لن تصل إلى مرحلة صفرية، ذلك رغم أنه كان قد قطع منذ وقت باكر بانتصار القوات المسلحة، وما دام أنه ليست هناك مرحلة صفرية تباد فيها كل القوة المعتدية الباغية لا بد من تفاوض يضع النقاط فوق الحروف، وتضع بعده الحرب اوزارها. الملامح الأساسية لخارطة طريق السيد عقار واضحة، وليس محل خلاف كبير، وهي قابلة للاخذ والرد، المرحلة الأولي فيها وقف الحرب، تعقبها المرحلة التأسيسية، ومهمتها إعادة الاعمار، وتهيئة البلاد لممارسة سياسية راشدة تؤسس لبناء دولة سودانية تحقق شعار الثورة، حرية، سلام، وعدالة، وإعادة بناء كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية علي أسس وطنية قومية، وتشكيل حكومة لتسيير دولاب الدولة، وتعمير ما دمرته الحرب، والعمل مع القوي السياسية لهيكلة وتأسيس الدولة، والتحضير وتهيئة الظروف لقيام مؤتمر تاسيسي دستوري يقود إلى قيام انتخابات. وهذه باختصار خارطة الطريق التي طرحها السيد عقار، وهي – كما ذكرت – رغم موضوعيتها قابلة للاخذ والرد، دون الحاجة إلى “قومة نفس”

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x