المبادرة الوطنية .. الفكرة، المنهج، والهدف

المبادرة الوطنية .. الفكرة، المنهج، والهدف

تأملات
جمال عنقرة
احسب اني كنت قد كتبت في مقال سابق كيف نشأت المبادرة الوطنية لحل الأزمة السودانية ، فهي تأسست قبيل اندلاع حرب الخامس عشر من أبريل بأيام قليلة، تحديدا في الثاني عشر من شهر أبريل الماضي بمجموعة قيادات محدودة، هم القائد مالك عقار، والدكتور جبريل إبراهيم والقائد مني أركو مناوي، والدكتور محمد عيسي عليو، واضافوني إليهم بعد يومين وكان للمبادرة هدف واحد ومحدد هو محاولة تجنيب البلاد قيام حرب.
ولما قامت الحرب في الخامس عشر من ذات شهر أبريل، اتصلنا بقيادة الجيش والدعم السريع، ودعيناهم إلى وقف الحرب، وكان رأي قيادة الدعم السريع أنهم يقاتلون من أجل الديمقراطية، أما قيادة الجيش فكان رأيها أن هذا تمرد عسكري، وشكروا لنا سعينا، لكنهم قالوا إن التمرد تحسمه المؤسسة العسكرية وفق اسسها وضوابطها، وذات الشئ قالوه للوساطة المشتركة الأمريكية السعودية، ورفضوا مشاركة أي مدنيين في حوار بشأن المسألة العسكرية، واعلنوا ترحيبهم بأي جهد وطني لحل الأزمة السودانية بعد انتهاء المعركة.
وبناء علي ذلك اتفقنا علي التركيز علي ما بعد انتهاء الحرب، ففتحنا عضوية المبادرة لتضم بعض الفاعلين من مكونات السودان المختلفة السياسية وغير السياسية، من أطياف عدة، من الكتلة الديمقراطية، ومن الحرية والتغيير، ومن نداء السودان، ومن الاكاديميين، ومن رجال الأعمال، والإدارة الأهلية، والطرق الصوفية، ومن القطاع الرياضي والاجتماعي والثقافي والفني والإعلامي، بأشخاصهم، وليس بكياناتهم، وضمت إلى صفها أيضا مبادرين وناشطين في مبادرات أخري، لتشكيل نواة لمنبر قومي وطني سوداني شامل.
واتسعت أهداف المبادرة لتشمل فضلا عن وقف الحرب ومعالجة إفرازاتها السالبة، بحث الأسباب التي أدت إلى انفجار الأزمة واندلاع الحرب، والعمل علي معالجة جذور الأزمة، والعمل علي تحويل المحنة إلى منحة، فتجعل من تلك المحنة فرصة لتلاقي أهل السودان كلهم بمختلف انتماءاتهم ومرجعياتهم، متناسين آلام الماضي وجراحاته، ناظرين إلى المستقبل بروح وثابة، يعملون معا متكاتفين ومتعاضدين لبناء وطن يسعنا جميعا، بلا تمييز ولا إقصاء.
عهدت المبادرة إلى مجموعة عمل ضمت أكثر من ثلاثين من الخبراء والاكاديميين والسياسيين لإعداد ورقة مفاهيم أساسية اعتمدتها المبادرة، وقدمتها مرتكزا اساسيا لحل الأزمة السودانية، ولقد استطاعت هذه المجموعة المتميزة، المتجردة، وبتوفيق من الله سبحانه وتعالي أن تقدم ورقة، في تقديري الخاص – وفي تقدير كثيرين – أنها افضل ما قدم في هذا الخصوص، ولعلها استمدت افضليتها من استيعابها لكل ما سبق، ولأن المجموعة ضمت ممثلين لكل أطياف أهل السودان. ومن اهم ملامح الورقة، أنها دعت أولا إلى إدانة كافة أنواع الانتهاكات التي تتواتر الأخبار عنها، مثل احتلال المنازل وترويع ساكنيها، وعمليات النهب والاختطاف، والاغتصاب، وسرقة المصارف، والمنازل، والممتلكات الخاصة والعامة، والتحقيق العادل في كل ذلك، وادانة أسر عسكريين ومدنيين من خارج ميادين المعارك، وإطلاق سراحهم فورا.
كما دعت إلى أهمية التوافق علي بقاء الدولة، وعدم التصالح مع فكرة بقاء وضع يقنن وجود جيشين أو أكثر بسلطات مستقلة، واقرار ضمانات تلزم القوات المسلحة بمسافة واحدة من الطيف السياسي كافة، وتلزمها بالمهنية العسكرية التي يخولها لها الدستور. ودعت إلى التوافق علي حماية الدولة السودانية، والتعاون الإقليمي والدولي بما يحفظ وحدة الوطن وثرواته وكرامة إنسانه. وإرساء دعائم حكم عادل مع انحياز تنموي نسبي لصالح الولايات. ودعت الورقة إلى تيسير انعقاد مائدة مستديرة، وحوار سوداني-سوداني لإقرار توافق سياسي يفضي إلى تشكيل معالم دستور دائم للبلاد. كما دعت إلى وضع خارطة بمشاركة كافة أصحاب المصلحة تحقق انسحابا سلسا وسريعا للقوات المسلحة من الفعل السياسي بعد وقف الحرب بالتوازي مع اتفاق سياسي عريض يتمخض عنه تكوين حكومة لتسيير الأعمال حتى قيام الانتخابات، وعدم إعاقة الــوصــول لانــتخابــات حــرة تســلم الســلطة للشعب في أقرب وقت. والدعوة لاستنهاض الطاقات الوطنية والنفير العام لمعركة البناء والتنمية.
والمبادرة ليست حكرا علي المؤسسين لها وحدهم، ولا لفئة دون غيرها، فهي جهد وطني سوداني، لأهل السودان جميعا بلا إستثناء، وسوف نسعي لتمليكها لكل السودانيين، فهي لهم وبهم جميعا. وهي مفتوحة ومنفتحة للجميع، وترحب بكل جهد يحقق الأهداف المشتركة.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x