ليلة الكوارتي .. باشات بكي وحده

ليلة الكوارتي .. باشات بكي وحده

تأملات
جمال عنقرة

لم أستغرب عندما حدثني أخي حاتم باشات قبل أيام عن حضوره للسودان للمشاركة في ليلة تأبين أخي وابن عمي الحبيب الراحل المقيم الزعيم محمد حمزة الكوارتي، ولم أستغرب كذلك الدموع التي ذرفها، ولا العبرة التي خنقته وهو يتحدث عن أول مرة يأتي فيها السودان منذ نحو ثلاثين عاما، ولم يكن في إستقباله صديقه الحبيب الكوارتي، وكان آخر مرة زار فيها السودان قبل نحو عامين تقريبا للمشاركة في زواج ابننا مهند محمد حمزة الكوارتي، لكنني استغربت أن يبكي في تلك الليلة حاتم باشات وحده، وكان بين الحضور كثيرون كنت أتوقع أن يجهشوا بالبكاء، لما بينهم وبين الراحل المقيم من أواصر، ولما له عليهم من افضال، ذلك فضلا عن الذين غابوا وكانوا الأجدر بتقدم الصفوف، وهو ذات الموقف الذي مررت به قبل أيام يوم أن تذكرت أخي وصديقي الراحل المقيم الرمز الوطني والقطب الإتحادي الديمقراطي، والزعيم الهلالي الفارس الحاج التجاني محمد إبراهيم، فبكيت، وكان هناك من هم أولي مني بالبكاء، ولكن حسنا أن تزامن ذلك مع شهر يناير الذي شهد تحرير الخرطوم من قبضة الإستعمار اللعين، ويشهد هذا العام تحرير السودان من قبضة الإتفاق الإطاري الذي يسعي إلى إعادة بلدنا إلى قيد استعمار جديد، وحسنا أن يأتي التحرير بالمبادرة المصرية التي يرعاها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ويقودها الوزير اللواء عباس كامل، رئيس المخابرات المصري، وتأتي هذه الرسالة من قبل اللواء حاتم باشات القنصل المصري الأسبق في السودان، ووكيل جهاز المخابرات المصري بعد ذلك.
وقيمة هذه الرسالة الباشاتية أنها تعزز ما نقول به أن ما بين السودان ومصر، وما بين السودانيين والمصريين، ليس له مثيل، وهذه علاقات متجذرة وعميقة، بعمق التاريخ والعطاء والدماء، قبل أن تكون بعمق المصالح والمخاطر المشتركة، أقول ذلك وقد عشت ذلك بنفسي، ولا زلت اعيشه، وكان الله قد أكرمني عندما ذهبت لدراسة الجامعة في مصر في سبعينيات القرن الماضي، تم توزيعي في كلية الزراعة جامعة طنطا، ولم تكن كلية الزراعة في طنطا، كانت في كفر الشيخ، وفي كفر الشيخ عشنا الحياة في عمق المجتمع الريفي المصري البسيط الأصيل، ولعل ذلك ما جعلني أصرف النظر عن قراءة الطب، والتي كان التحويل إليها متاحا علي عهد الرجل الأمة الأستاذ الدكتور طلبة عويضة، مدير جامعة الزقازيق في ذاك الزمان، وكان قبلها مديرا لجامعة القاهرة فرع الخرطوم، ولذات السبب لم أفعل كما فعل كثيرون من زملائنا الذين تحولوا في العام التاني إلى جامعة الإسكندرية، ولعل روح كفر الشيخ قد سرت فينا نحن الذين درسنا هناك في ذاك الزمن الجميل، ولا نزال بعد مرور أكثر من أربعين عاما، أخوة أحباب مترابطين، متواصلين.
حاتم باشات يجسد عمق العلاقات السودانية المصرية، وهكذا اناديه بغير ألقاب ولا صفات “حاتم” وهو يناديني “جيمي” مثله مثل أخواني ورفقاء الدرب درش، الأستاذ مصطفي أبو العزائم، وعنتر، الشريف عبد الله إبراهيم فكي، ومحمد، الزعيم الراحل المقيم الزعيم محمد حمزة الكوارتي، وكانت بيننا وحاتم ومحمد، وكمال، سعادة الفريق أول ركن كمال علي صالح، روابط نادرة، وأذكر قبل نحو اسبوع تقريبا عندما كنت في مصر للمشاركة في إحتفالية “ليلة في حب مصر والسودان” برعاية شركة صن اير للطيران، وتشريف صديقنا الحبيب السفير حسام عيسي مساعد وزير الخارجية المصري للسودان وجنوب السودان، وعدد من الأحباب والقيادات المصرية من الأصدقاء والأحباب الذين تربطهم أواصر حميمة بالسودان والسودانيين، لما حال ارتباط آخر دون حضور ومشاركة الأخ حاتم، أصر علي أن نتناول معه وجبة الغداء في منزله، ولم نجد خيارا سوي الاستجابة، فمررنا عليه في طريقنا إلى المطار، وفي الصحبة الأحباب عوض أحمدان، وياسر تيمو، وعلي إدريس، ومحمد الجيلي سعدابي، وسعدنا بالدعوة في البيت، والأكل البيتي الخالص، واسعدني أن حاتم لا يزال يحافظ علي مرافقيه من السودانيين الذين كانوا معه في البيت عندما كان قنصلا في السودان، واخذهم معه إلى مصر، وصحبوه في محطاته الخارجية بعد ذلك، ولا يزالون معه، وقد صاروا بعضا من أفراد أسرته.
ولا بد قبل الختام من كلمة شكر مستحقة، لإبن عمي لزم، الحكيم طه علي البشير رئيس اللجنة القومية لتأبين فقيدنا العظيم محمد حمزة الكوارتي، وشكرا علي الإحتفال الفخيم الذي يليق بعظمة المناسبة، وعظمة الفقيد العظيم، وشكرا أن اختاروا حبيبي اللواء حاتم باشات ضيف شرف لهذه المناسبة العظيمة، وشكرا لمصر التي سجلت حضورا مميزا عظيما، يقوده معالي السفير العظيم الحبيب هاني صلاح، والقنصل العام خير خلف لخير سلف، المستشار تامر منير، وملحق الدفاع العميد حسام، وكل طاقم السفارة والقنصلية، وشكرا اخير للحبيبين شكرالله خلف الله، وطارق كبلو لحسن الإعداد والإخراج والتقديم، والشكر لله من قبل ومن بعد.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x