من الجزائر ولاية أدرار جنة الصحراء ومهرجانها الدولي للمسرح وتجليات المَحَبّة والتكريم

من الجزائر ولاية أدرار جنة الصحراء ومهرجانها الدولي للمسرح وتجليات المَحَبّة والتكريم

دهاليز

علي مهدي

عُدت يا سادتي للجزائر، بعد أكثر من ثلاثة عقود ونصف، تزيد ولا تنقص إلا قليلاً، زرتها اول مرة في مقتبل العمر، كنت طالباً أدرس فنون التشخيص في المعهد العتيق (معهد الموسيقى والمسرح والفنون الشعبية) الاسم القديم في فكرة البدايات، كان من أسباب وعي المبكر بها فنون الأداء التمثيلي، وكان مفتاحي للعالم بعدها.
طالب ينتقل مع الفرقة الأولى والأخيرة للتمثيل في المعهد في ذلك الزمان، ليقدم أول عرض مسرحي سوداني خارج البلاد، وتلك لحقائق التاريخ الإشارة إليه ضرورية ومهمة للباحثين عن أسرار تاريخ الفنون المجيدة.
أكتب من مدينة (أدرار)، وقد جئتها بعد كل تلك السنوات لتنعم بآيات التقدير والتكريم من صناع المسرح في الجزائر، من عند مهرجان المسرح الصحراوي في مدينة (أدرار). وأعود إلى الربع الأول من سبعينات القرن الماضي في المشهد المسرحي الوطني، كان لي فيه حضور ومشاركة، أكدت أن في الأمر ما هو جديرٌ بالاهتمام والدفع والتشجيع، وفي تلك الأيام مع أجواء انتظام المواسم المسرحية أوقات السنوات النيِّرات، والأب المؤسس للمسرح القومي السوداني الراحل الفكي عبد الرحمن، يشملنا جميعاً، شباباً وعاشقي المسرح برعاية واهتمام وتشجيع، صنعت لنا فتوحات عمرنا النضر البهيج، وهو يفتتح لنا الأبواب لا للفنون وحدها، لكن للمعارف التي حلمنا بها. وفي الدفعة الثانية لطلاب المعهد قُبلت، اجتزت بنجاح مع السعادة، اختبارات هي الأجمل يومها، اجتزت الفترة التدريبية، سراً بين بعض أهلي، وقليلاً من الجهر عند من عرفوا الفنون ما بين أحياء البقعة المباركة من حي (ود نوباوي) العتيق، إلى حي جدهم السيد محمد المكي، مجدد الطريق بن سيدي القطب الشيخ الولي التام الولاية إسماعيل بن عبد الله قنديل كردفان، وكنت قد شاركت قبلها بعام أو أكثر، تجربتي المسرحية الأولى في الموسم المسرحي الثالث (أحلام جبرة)، كتبها عبد الرحيم الشبلي الأخ غير الشقيق للأب المؤسس الفكي عبد الرحمن عليهم الرحمة، ومن إخراج الراحل عثمان قمر الأنبياء، كانت تجربتنا كلنا الأولى، لكنها امتداد لتجارب ناجحة للأستاذين الجليلين الراحلين، يحيى الحاج وعثمان أحمد حمد (أبو دليبة)، وقفت إلى جوارهما نشكل ثلاثياً، نوزع الفرص بيننا بالقدر المستطاع، وهما صانعا الضحك القديم المتجدد، وأنا في ذلك الوقت وعنفوان البحث سلطان جديد في أفكاري، وصرخت بعدها (الكوميديا الجديدة) بعيداً عنها كوميديا النمط، أسعى لأكون في ذاك الوقت المبكر نقطة في صف مبدعي التمثيل، مبكراً، وقبل وقتي جئت الأوساط الإبداعية عبر مايكروفون الإذاعة، أنا ابن الإذاعة كما أحب أن أقول وأردد، منها وبعدها قدّمت تجارب تمثيلية لها في تواريخ فنون التمثيلية المسموعة حكاية وأخرى، وكان ينبغي لي أن أكون حاضراً في عودته الثانية، شاب جاء مع الأحباب لفضاء الفنون، امشي في كل الأوقات على قدمي، أعبر النيل الأبيض قادماً من شجرة (محو بيك) أو شجرة (غردون)، الأقرب إليك قلها، ولم يكن عندي يومها صور لها الشجرة الأضخم في وقتها، وأنا أمر كل صباح قبلها بعقود على ما تبقى من سور الحديد حولها الشجرة الفخمة، كانت تقع خلف زراعتنا تمامًا، وأنا الأهم، كنت تلك الأيام، اعرف الغاية شجرة شجرة، وحجرا وآخر، وأين تختبئ الهوام والعقارب والثعابين، أبحث عنها، أظنها عرفتني، ما أن تسمع غنائي من بعيد، وصوتي بين بين، لا جميل أو يُشتهى، كان صحيحاً، سليماً، لكنه لم يكن دافعا او مشجعا لمواصلة الغناء الذي عشقت، وكان التشخيص فرحتي ببعض افتتان بالفنون يتعاظم عندي. وهي التي أخذتني إلى مدن بعيدة ما كانت في خيالي، كيف مشيت إلى أمريكا البعيدة؟ ثم إلى مدن في (الأرجنتين والبرازيل) أحمل فكرتي الأولى (استخدامات الفنون في تعزيز السلام)، وأصبح منهجي (المسرح في مناطق النزاع) إشارة علمية فنية تعتمدها جامعات زرتها، وأدرت فيها ورشاً فنية وحاضرت طلابها، يوم دعتني جامعة لندن والشتاء لا يعرف أنصاف الحلول، مطر وثلج وما بينهما، والزمان المبتسم لي يأخذني والفكرة والتجربة التمثيلية إلى أقاصي الدنيا البعيدة والجديدة. وفي (طوكيو) حدثت أهلها في الجامعات والمسارح، عن أشواقي للمحبة المفضية للسلام. وأكتب الآن وأجلس في صحراء الجزائر العشق القديم، في مدينة (أدرار)،
خرجت أبعد منها للصحراء، في يومي الثالث عندهم، وصلتها قبل يومين من القاهرة نريح القلب قليلاً، وقد اشتكى ومنعني قليلاً من السفر الذي أعشق، فغبت عنها أيام قرطاج المسرحية، ولي فيها حكاية وأخرى، ثم أخريات، فيها شاهدت لأول مرة (الزين) في الفيلم الأشهر (عرس الزين) لسيدي الطيب صالح والمخرج الكويتي خالد الصديق عليهما الرحمة، على شاشة السينما (الإسكوب) وبالألوان (الما خمج)، لكنني حملته القلب الفرح الما حزين، ما أظن أنه ممكن، والأحباب يظنون أنه فوق طاقة، تحدها سبعة عقود مضت، ولكن أظن غير ذلك، وحسابي مع الأطباء لاحقاً.
ففيها الجزائر التي أعود إليها بعد زمن، وقد كرّمتني قبل هذا بسنوات عندما احتفلت بالمسرح الأفريقي، والحبيب الصديق الكاتب الناجيري صاحب (نوبل – ولي شوينك)، وذاك عندي تكريم خاص جداً، أكد لي نجاعة الامتداد السوداني الأفريقي، قال لي حبيب هنا رافقني ايامي الماضية إنّ أهله في (أدرار) يقولون على خارجها حتى حدود جمهورية مالي، قال هي (مالي السودانية).
ووصلتها، ووقفتي في الجزائر العاصمة، قلت وقتها، فتحت أبواب الذاكرة لاستعادة أحداث فيها أسعدتني، قدمت شريكاً للفرقة التمثيلية لمعهد الموسيقى والمسرح في مطلع سبعينات القرن الماضي مسرحية (العصفورة والممثلون) للدكتور يوسف عيدابي وإخراج الراحل فتح الرحمن عبد العزيز عليه الرحمة، شارك فيها مشخصاتية منهم، الراحل يحيى الحاج،. وأمد الرحمن في أعمار الأساتذة، تحية زروق، ناصر الشيخ، دفع الله احمد البشير وشوقي عز الدين، وكنت بينهم الأصغر طالبًا وقتها في الصف الثاني. مرت الذكرى في وقفتي القصيرة بمطار العاصمة الجزائر، مع حُسن الاستقبال والشاي والقهوة.
لكن سريعًا ما عدونا نحو (أدرار)، وكان الأحباب منذ أن وصلنا نحن، اليد الأنيقة، وهم يُحيطون بنا كالسوار وأجمل، وجلست إلى معالي وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة صورية مولوجي، يوم الافتتاح، والى معالي والي ولاية أدرار الأستاذ العربي بهلول، وحكينا، واستمعت وأسعدني ما سمعت من حجم الدعم الكبير الذي قدمته الوزارة، والرعاية التامة مِن ولاية أدرار، وهي إشارة مهمة للمهرجان في دورته الأولى، يجد كل ذاك الاهتمام والرعاية والدعم.
ثم ذهبت بعيداً عنهم، رجعت للبقعة المباركة، ونحن نستعد للدورة الـ(21) لمهرجان البقعة الدولي للمسرح، وكم كم سعينا ووفقنا، ونجح أهل المسرح السوداني في بناء مؤسسة أهلية وطنية، ومهرجان عالمي، كانت عروض الجزائر في المسابقة الدولية مرتين، وحققت نتائج طيبة، وحصلت على الجوائز وشهادات التقدير.
يُختتم المهرجان في الأيام القادمة، واجلس ذاك المساء أسمع كلمات التقدير والمشاعر الصادقة، وأفهم أن جهوداً مشتركة تجد الآن في مدينة أدرار جنوب الجزائر العاصمة غير بعيد من غربها أفريقيا، إذا مشيت ثم مشيت تكون في أرض مالي والنيجر وتكون مع ذات الناس الأجمل.
هذه خواتيم العام وبداية الأعياد والسعي عندي أن نكمل الجهود ونحتفي بالدورة الـ(21) لمهرجان البقعة الدولي للمسرح.
أعود للوطن وغداً غبت لأسبوع وأكثر، وتركت الأحداث ة فيه تشير إلى فرص التلاقي المستحيلة ولكنها ممكن.
نعم،،،
وأنتم في الخاطر دوماً بعيداً أو قريباً.. وبيننا الدهاليز.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x