نظرات في وثيقة ودستور أسيادنا (٤)

نظرات في وثيقة ودستور أسيادنا (٤)

ألسنة وأقلام

بابكر إسماعيل

رأينا في الحلقات الماضية اختلاف مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة(١) عن الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ (٢) حيث جرّمت الأولي إجراءات البرهان التصحيحية في ٢٥/ ١٠/ ٢٠٢١ وأبطلت كل القرارات التي أصدرها في أو بعد ٢٥/ ١٠/ ٢٠٢١ في حين اعترفت الثانية بإنقلاب البرهان في يوم ١١ أبريل ٢٠١٩ وشرعنت لكل ما نتج عن انقلابه من قرارات بما فيها الشراكة المدنية العسكرية وإجازة الوثيقة الدستورية الانتقالية في أغسطس ٢٠١٩ علماً بأن كلا الوثيقتين قد صدرتا عن التيار العلماني السوداني وخلتا من أي إشارة لكون الدين الإسلامي يعتبر مصدراً من مصادر التشريع في السودان الذي يشكل فيه المسلمون نسبة تفوق ٩٠٪؜ من مجموع السكان.

ورأينا كيف أنّ مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة قد الغت وصف الدولة السودانية بالاستقلالية الذي ورد في الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ وعدم التبعية.
وكذلك رأينا اختفاء المادة التي تجرم التعذيب والإهانة والحطّ من الكرامة الإنسانية من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة ونوهنا إلي احتمالية وجود نية مبيتة لاستخدام التعذيب والإهانة والحط من الكرامة الإنسانية عندما يتولي التيار العلماني حكم البلاد وهو التيار الذي تنتمي إليه لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة .

فنبدأ اليوم مستعينين بالله نمخر في عباب وثيقة ودستور أسيادنا ونغوص في موادّ وثيقة الحقوق والحريات الأساسية مادّةً مادّة لنبيّن غثّها وسمينها وأصلها وفصلها ونقارن بين الوثيقتين اللتين تعبّران عن التيار العلماني السوداني العضوض الذي تمسّح بلبوس العساكر في الوثيقة الدستورية الانتقالية وبمسوح وبركات السفارات الأجنبية (سفارة .. سفارة) وبالمدد العلماني من القطب الأممي في استلهامه لمسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة .

فقد جاء في الفصل الثالث من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة (الحقوق والحريات الأساسية)
المادة 9: لكلّ إنسان حقّ أصيل في الحياة الكريمة ويحمي القانون هذا الحقّ ولا يجوز حرمان أي إنسان من الحياة تعسفاً.

وإذا راجعنا هذا النصّ في الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ والذي ورد في المادة ٤٤ تحت الفصل الرابع عشر (وثيقة الحقوق والحريات) نجده ينصّ علي الآتي:

(المادة ٤٤): لكلّ إنسان حقّ أصيل في الحياة والكرامة والسلامة الشخصية ويحمي القانون هذا الحقّ ولا يجوز حرمان أي إنسان من الحياة تعسفاً (٢).
نلاحظ أن مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة قد حذفت النص الذي يحفظ “الكرامة” واستبدلته “بالحياة الكريمة”، ومعني الحياة الكريمة كما هو معلوم نسبي وفضفاض ويتفاوت بين شخص وآخر وبين منطقة وأخري ، أما مصطلح الكرامة الإنسانية فهو واضح ومحدّد ومعلوم وقد ورد في القرآن قوله تعالي:

“وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ “
سورة الإسراء الآية ٧٠

والكرامة حق أصيل لكلّ إنسان بنصّ القرآن وكذلك بنصّ مواثيق الأمم المتحدة.
فقد جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (٣) الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في باريس في ١٠ ديسمبر ١٩٤٨ وبموجب القرار ٢١٧ أ – الوصف أدناه:
“لما كان الاعتراف “بالكرامة” المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم.”

وجاء أيضاً في المادة الأولي من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الآتي:

المادة 1.
يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في “الكرامة” والحقوق. وهم قد وُهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء (٣).

وكذلك في المادة الخامسة من الميثاق العالمي لحقوق الإنسان التي تقول:

المادة 5.
لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة (٣).

فنجد أن مصطلح الكرامة قد تكرر ثلاث مرات في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان واختفي من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة!

ولدينا هنا سؤال مشروع للجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة لماذا حذفتم من مسودتكم لفظ الكرامة الإنسانية وأيضاً سكتم عن تجريم الحطّ من الكرامة الإنسانية وهي أوصاف وردت في الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ ووردت كذلك في الميثاق العالمي لحقوق للعام ١٩٤٨ ؟

وسبق أن وضّحنا أنّ الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ وكذلك الميثاق العالمي لحقوق الإنسان قد نصّا علي تحريم التعذيب والمعاملة اللاإنسانية والحاطّة بالكرامة فقد جاء في الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ تحت المادة رقم ٥١ النص الآتي:

“لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية”.

وفجاء ي الإعلان العالمي لحقوق الانسان؛
في المادة الخامسة منه والتي تنصّ علي الآتي:
لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة (٣).

فقد اختفت من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة هذه المادة الهامة في ظروف غامضة وكانت هذه المادة تمنع التعذيب والحطّ من الكرامة الإنسانية وكما بينت في الحلقة الماضية أنه قد استعيض عنها بالحق في سلامة البيئة.

وإذا أخذنا ما ورد أعلاه بخصوص حذف المادة التي تجرّم التعذيب في الاعتبار مع ما رأينا في حلقة اليوم من حذف حق الكرامة والسلامة الشخصية الواردين في الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ فإنّ ذلك يقودنا لشك معقول بأنّ هنالك سوء النية مستبطنة للقيام بممارسات تحطّ من الكرامة الإنسانية وتعرض السلامة الشخصية للخطر عندما تؤول الأمور في البلاد إلي التحالف العلماني الذي تؤيده لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة.

ولا يفوتني أن أذكّر كيف أن بعض معتقلي الحكومة العلمانية السابقة أو حكومة تحالف قوي الحرية والتغيير المنحلة (والتي تُعرف محلياً بحكومة ٤- طويلة) قد حُرموا من حقّ العلاج الذي تنص عليه كل مواثيق الحقوق والحريّات الأساسية مما أدّي لوفاة كلّ من اللواء طبيب عبد الله البشير والنائب البرلماني السابق (في برلمان ١٩٨٦) الشريف أحمد عمر بدر والأستاذ الزبير أحمد حسن أمين عام الحركة الإسلامية.

لذا فإنّ حذف هذه المواد من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة لا يبشّر بخير وربما هو مؤشر لعودة مثل هذه الممارسات من جديد مع عودة التيار العلماني المدعوم من المجتمع الدولي .
ونواصل
——————————————————
المراجع:
(١) مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة https://www.shorouknews.com/mobile/news/view.aspx?cdate=11092022&id=98c5b0af-452e-47fe-b7d4-53e1d456142e

(٢) الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ https://moj.gov.sd/files/index/28

(٣) الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة في باريس في ١٠ ديسمبر ١٩٤٨
‏ https://www.un.org/ar/universal-declaration-human-rights/index.html

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x