(ألسنة وأقلام) ..بابكر إسماعيل .. نظرات في وثيقة ودستور أسيادنا (٢)

(ألسنة وأقلام) ..بابكر إسماعيل .. نظرات في وثيقة ودستور أسيادنا (٢)


وتستمر نظراتنا وتأملاتنا في تشريح وثيقة ودستور أسيادنا .. فقد استعرضنا في الحلقة الماضية ديباجة مشروع مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة مقارنة بديباجة الوثيقة الدستورية للعام ٢٠١٩ تعديل أكتوبر ٢٠٢٠ وبيّنا أنّ الفرق الرئيسي بينهما أن الوثيقة الدستورية اعترفت بشرعية المجلس العسكري الانتقالي الذي قاد انقلاب ١١ أبريل ٢٠١٩ ضدّ الرئيس عمر البشير وعلي هذا الاعتراف انبنت شرعية الوثيقة نفسها واعتمدها المرسوم الدستوري رقم ٣٨ للعام ٢٠١٩ الذي أصدره رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الانقلاب ..
في حين أنّ مشروع مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة قد أبطلت شرعية كل قرارات القائد العام لقوات الشعب المسلحة ورئيس مجلس السيادة (هذا المجلس تمّ حلّه جزئياً بإعفاء المكون المدني) التي أصدرها في وبعد ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١. حيث نصّت المادة الثانية (٢) من مسودة لجنة التسيير علي بطلان كلّ القرارات التي صدرت في أو بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر٢٠٢١.

فنبدأ مستعينين بالله نمخر في عباب وثيقة ودستور أسيادنا:
فالباب الأوّل: لكلا لوثيقة ومسودة تسييرية المحامين سمّي بأحكام تمهيدية:
وبه ست مواد عنونت كالآتي:
اسم الدستور وبدء العمل به،
وإلغاء واستثناء،
وطبيعة الدولة،
وسيادة الدستور،
والسيادة
وحكم القانون.
وقد وردت كل هذه المواد في الوثيقتين بتعديل طفيف في الترتيب ..
وكذلك وجدنا بعض التغييرات نفصّلها أدناه:

حيث ألغت المادة الثانية (إلغاء واستثناء) – في الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ : ألغت دستور ٢٠٠٥ ودساتير الولايات واعتمدت مراسيم المجلس العسكري الإنقلابي منذ ١١/ ٤/ ٢٠١٩ وحتي تاريخ التوقيع علي الوثيقة الدستورية الانتقالية في ٢٠/ ٨ / ٢٠١٩.
بينما ألغت مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة الوثيقة الدستورية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ وكذلك أبطلت كل القرارات التي صدرت في أو بعد انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١بما في ذلك كل الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي أبرمت بعد الإنقلاب وحتي سريان مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة.

وكما أسلفنا سابقاً فإنّ ذلك يحدث فراغاً دستورياً وبنيوياً يشرخ في سلامة الدولة السودانية وكذلك يمنع انتقال السلطة من ما يسمون بالانقلابيين إلا بالتغلب عليهم أو بتنازلهم طواعية عن انقلابهم المزعوم وكلا الأمرين عسير.
إذ أنك إذا أبطلت قرارات قائد الجيش فمن ذا الذي سيصدر لك مرسوماً يسلّمك به السلطة والدولة كما حدث في أغسطس ٢٠١٩؟
وكيف يمكن لك استخلاص السلطة من أيدي من يملكونها حالياً ..؟

وإذا نظرنا إلي حقيقة الوضع الدستوري في البلاد فإنّ شرعية البرهان في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ أعلي من شرعيته في ١١ أبريل ٢٠١٩ وذلك للآتي: تراجع الفريق أوّل البرهان عن انقلابه بعد شهر واحد وأعاد السيد الدكتور عبد الله حمدوك إلي منصبه رئيساً لمجلس الوزراء الانتقالي في نوفمبر ٢٠٢١
وقام رئيس مجلس الوزراء الانتقالي بممارسة كآفة صلاحياته عقب عودته في ٢١ نوفمبر ٢٠٢١ ومنها أنه فد أبطلً قرارات أصدرها لفريق البرهان عقب انقلابه ..
كما أنّ الفراغ الحالي الدستوري حدث بسبب استقالة السيد الدكتور عبد الله حمدوك في ٣ يناير ٢٠٢١ وليس بسبب انقلاب البرهان في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١.
استلم الفريق أوّل البرهان القائد العام للقوات المسلحة السودانية ورئيس مجلس السيادة الانتقالي زمام السلطة وقيادة الدولة بسبب استقالة السيد الدكتور عبد الله حمدوك في يناير ٢٠٢٢ التي نتج عنها هذا الفراغ الدستوري وتصدّي السيد البرهان تبعاً لذلك لإدارة الدولة مستنداً في ذلك علي نص المادة السادسة من قانون القوات المسلحة السودانية للعام ٢٠٠٧ (ما زال سارياً بحسب الوثيقة الدستورية الانتقالية ٢٠١٩/ ٢٠٢٢) ومسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة) حيث تنصّ المادة السادسة علي الآتي:
أهداف وواجبات القوات المسلحة: 
6ـ القوات المسلحة السودانية قوات عسكرية قومية التكوين والهدف ولاؤها لله والوطن ، وتكون لها المهام والاختصاصات الآتية :

(أ ) حماية سيادة البلاد والدفاع عن النظام الدستوري والزود عنه ،

(ب) تأمين سلامة البلاد والدفاع عنها فى مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية ،

(ج ) تأمين احترام سيادة حكم القانون والحكم المدنى الديمقراطى وحقوق الانسان ،

( د ) التصدى لحالات الطوارى المحددة قانوناً ،

(هـ) الدعوة للتدين والأخلاق والقيم الفاضلة وتقوية روح الوحدة والولاء والمواطنة بين أفرادها ،

( و ) العمل علي تطوير امكانياتها العسكرية والبشرية والمادية والعلمية ،

( ز) المشاركة في توطيد وحماية السلام والأمن الدوليين تنفيذاً للالتزامات الاخلاقية والمواثيق والمعاهدات الدولية والاقليمية .

لهذا السبب لم تصف الإدارة الأمريكية استيلاء الفريق البرهان علي قيادة الدولة بالانقلاب بل وصفته بالاستيلاء علي السلطة ..
فالاستيلاء علي السلطة قد يكون ضرورة دستورية وقانونية كما بيّنا أعلاه.

وقد صرّح الفريق أوّل البرهان القائد العام للقوات المسلحة وقائد الدولة ورئيسها بالضرورة الواقعة تصريحاً واضحاً لا يقبل التأويل حينما أعلن في يوم ٤ / ٧/ ٢٠٢٢ بأن القوات المسلحة قد خرجت من العملية السياسية وأنهم ينتظرون من المدنيين التوافق حول تعيين رئيس لمجلس الوزراء الانتقالي وتكوين حكومة مدنية لإكمال الفترة الانتقالية.

ومن الفروقات المثيرة للعجب في مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة اختفاء تعريف السودان بأنه دولة مستقلة ذات سيادة من المادة (٣) والتي تتحدّث عن طبيعة الدولة وقد أثبتت الوثيقة الدستورية ٢٠١٩/ ٢٠٢٠ هذا الوصف ..
فهل حذف نص يصف دولة السودان بأنها مستقلة وذات سيادة هو عمل مدّبّر وراءه الجهات الأجنبية التي شاركت في صياغة مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة ؟ وكما تعلمون فقد صرّح الأستاذ يحي الحسين المحامي عضو لجنة تسييير نقابة المحامين المحلولة بأنّ هنالك جهات أجنبية تقف خلف مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة.

أم أنّ الحذف جاء بناءً علي تقدير من لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة ليعكس واقع حال الدولة السودانية الآني الذي يتصف بغياب السيادة والهيبة وعدم استقلالية الدولة؟

أم أنّ الأمر لا يعدو عن كونه هفوة غير مقصودة وأن سلب السيادة والاستقلالية من وصف طبيعة الدولة السودانية قد سقط سهواً من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة بسبب قلة خبرة القائمين عليها وانعدام المهنية والتخصص ..
وهذا كلّه وارد.

كذلك لاحظت أنّ مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة قد أوردت وصف طبيعة الدولة بأنها فدرالية في حين أنّ طبيعة الدولة في الوثيقة الدستورية الانتقالية في النسخة الأولي عام ٢٠١٩ وفي تعديل ٢٠٢٠ قد وُصفت باللامركزية فهل يمكن اعتبار أنّ “لفظ فدرالية” في مسوّدة تسييرية المحامين المحلولة هو مقدمة وتهيئة للشعب السوداني بإمكانية حدوث انفصال لبعض الأقاليم في المستقبل ..؟
لا أدري ..
وربما ..

ومن التغييرات الملحوظة هو نقل وثيقة الحريات من الباب الرابع عشر في الوثيقة الدستورية الانتقالية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠
إلي الباب الثاني في مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة مع تقليص عدد مواد وثيقة الحريات من سبع وثلاثين مادة في الوثيقة الدستورية الانتقالية إلي سبع وعشرين مادة فقط في مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة وهذا أمر غريب أن تختفي ثلت موادّ الحريات في وثيقة التسيير المحلولة.
وسوف نأتي بالتفصيل علي كلّ ذلك في الحلقة القادمة.
ونواصل ..

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x