(ألسنة وأقلام) .. بابكر إسماعيل .. نظرات في وثيقة ودستور أسيادنا (١)

(ألسنة وأقلام) .. بابكر إسماعيل .. نظرات في وثيقة ودستور أسيادنا (١)

٢٢/ ١٠ / ٢٠٢٢

سوف أبتدر سلسلة مقالات جديدة هدفها مقارنة الوثيقة الدستورية للعام ٢٠١٩ تجديد ٢٠٢٠ مع مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المنتهية صلاحيتها (اللجنة وقريباً المسودة)، علي نفس نمط السلسلة السابقة التي وثّقت لخروقات حكومة عبد الله حمدوك للوثيقة الدستورية الانتقالية.
فأبدأ وبه الإعانة بالديباجة التي تقول:
نحن الشعب السوداني صاحب السيادة علي مصيره وأرضه وموارده الخ …
والمسودة نفسها لم تتحدث عن من هؤلاء الذين خطّوها وبلغت بهم الجرأة أن يذكروا أنهم هم الشعب السوداني من غير أن نعرف أسماءهم وتفويضهم ومرجعياتهم ..؟!

كذلك أشارت الديباجة إلي أجسام هلامية جعلتها مرجعية لمسودّتها .. مثل لجان المقاومة من غير تعريف عمن تقاومه هذه اللجان ومدي استيعابها لتمثيل الشعب السوداني وهذا من باب نكرة يعرف نكرة فالإضافة إلي النكرة لا تجوز وتحرّمها قواعد اللغة ..
ومصطلح هلامي آخر جاء في الديباجة تحت مسمي قوي الثورة بدون تعريف لها أو أي ثورة تقصدها لا ندري .. أهي ثورة أكتوبر أم مايو أم يونيو أم أبريل …
ذكرت الديباجة أن المسودة تستند علي دستور السودان للعام ١٩٥٦ الذي وصفته بأنه الدستور المؤسس للدولة السودانية ولكن فات عليهم أنّ أساس دستور ١٩٥٦ هو مشروع دستور الحكم الذاتي الذي قدمه الحاكم البريطاني العام للسودان في ٨ مايو ١٩٥١ وأدخلت عليه تعديلات قبيل الاستقلال وسمّي بالدستور الانتقالي للسودان
وقد تبنته أيضاً كلية المجلس العسكري الانتقالي ومجلس الوزراء الانتقالي التشريعية عقب انقلاب سوار الذهب علي النميري في أبريل ١٩٨٥ وسمّوه حينها بدستور السودان الانتقالي للعام ١٩٨٥ وهو في أصله نفس مشروع دستور الحكم الذاتي الذي ابتدره الحاكم العام سنة ١٩٥١.

ومن طرائف مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة أنها ابتدرت الديباجة بأنهم الشعب السوداني ولكنهم في منتصف الديباجة نسوا أنهم هم الشعب السوداني حيث ذكروا في بداية إحدي فقرات الديباجة : إقراراً بمعاناة الشعب السوداني .. فكيف يكون نحن الشعب السوداني نقر بمعاناة الشعب السوداني..؟ وكان الأولي أن تكون الصياغة كالآتي:
نحن الشعب السوداني …… وإقراراً بمعاناة أهلنا في مناطق النزاعات الخ …

وأما قولهم: وإدراكاً لضرورة أيلولة أنشطة القوات النظامية الاستثمارية والتجارية غير الحربية للحكومة المدنية وإدراجها كافة تحت سلطة المراجع العام فإنّ هذا يعني استثناء الاستثمارات التجارية الحربية من سلطة المراجع العام أي أنها لا تخضع لسلطة الدولة السودانية وعليه فإنّ هذه الديباجة تقرّ بوجود سلطة رابعة في الدولة السودانية تضاف إلي السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية وهي السلطة العسكرية.

فإذا قارنا بين الوثيقة الدستورية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ ومسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة، فإننا نجد أن ديباجة الوثيقة الدستورية التي تتكون من ١٨٨ كلمة قد سبقها نص المرسوم الدستوري رقم ٣٨ الذي اعتمدها وهو المرجعية الرسمية التي أعطت لتلك الوثالدستورية شرعيتها
كما أنّ ديباجة الوثيقة الدستورية قد ذيّلت بتوقيعين لمندوبي المجلس العسكري الانتقالي( محمد حمدان) وقوي الحرية والتغيير (أحمد ربيع) فهي وثيقة وراءها رجال أيّاً كان رأينا فيهم علي عكس مسودة “نحن الشعب السوداني”

وتفتقر ديباجة مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة لمثل هذا المرسوم الذي يبيّن مرجعية الوثيقة ومصدرها ، بل الأنكي من ذلك أن المادة الثانية من مسودة الدستور الذي أصدرته لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة قد ألغت الوثيقة الدستورية للعام ٢٠١٩ تعديل ٢٠٢٠ وألغت كل القرارات التي صدرت في أو قبل انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١؛ مما يعني أنها أطلقت الرصاص علي قدمها إذ أنها أبطلت أي مرجعية سياسية أو عسكرية أو دستورية يمكن أن تنقل شرعيتها لمسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة،
حيث نصّت المادة الثانية من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة كل بطلان ملّ القرارات التي صدرت أو ستصدر بعد ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ بغض النظر عن مصدرها، لذا فإنّ هذه المادة من مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة قد أسدلت الستار علي أي أمل لأن تكون هذه المسودة دستوراً للسودان في أي يوم من الأيام، لأن أيّاً من يقرر اعتماد هذه المسودة سيكون فاقداً للشرعية بنصّ المسوّدة ذاتها ..!!
ديباجة مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة حوت حوالي ٥٠٣ كلمة وسنحاول أن نستعرض أهم إضافاتها ومحذوفاتها:
حُذف اسما قوي الحرية والتغيير والمجلس العسكري منها وأضيفت إليها لجان المقاومة وقوي الثورة (بكل فصائلها) وذكرت كذلك لجنة تفكيك التمكين وذكرت دستور ١٩٥٦ باعتباره مؤسساً للدولة السودانية وهو لا يزيد في حقيقته عن وثيقة معدلة لمشروع دستور الحكم الذاتي الذي وضعه الحاكم العام البريطاني آنئذٍ.
ذكرت ديباجة لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة كذلك اتفاقية سلام جوبا واستثمارات القوات النظامية ومبادرات قوي الثورة وإصلاح الخدمة المدنية والعسكرية وتحدثت عن إزالة التمكين بالقوات النظامية وأغفلت ذكر انقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١. إضافة لأمور أخري ثانوية مثل النص علي مشاركة المرأة في إحداث التغيير مع تكرار ذكر مصطلحات كالمحاسبة والمساءلة وإلغاء كافة أشكال التمييز بصورة مملة تشبه الهوس العصابي في معظم فقرات الديباجة ..
وديباجة مسودة دستور لجنة تسيير نقابة المحامين المحلولة في تقديري لا تزيد عن كونها مانفيستو لمجموعة مؤدلجة مهمومة بتفاصيل قضايا محددة ليس منها الدستور أو التشريع .
ونواصل

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x