الدكتور حسين أركو مناوي .. يكتب الطريق إلى بناء الدولة السودانية.

الدكتور حسين أركو مناوي .. يكتب الطريق إلى بناء الدولة السودانية.

فى طريق بناء الدولة السودانية، هناك عدة متاريس البعض منها اصطناعية والتغلب عليها لا يتطلب جهداً كبيراً،والبعض طبيعية تحتاج إلى المعالجة بذكاء وحكمة وصبر،لأن التغلب عليها يخضع الى قانون الطبيعة الصعبة.
دعونا نفكر بطريقة عقلانية لكى نرمى حجراً فى بركة السياسة السودانية الراكدة ونحرك المياه لجزء مهم من قضايا السودان المسكوت عنها والتى تعودنا ان نتاول باستحياء بدلاً أن نمسك المبضع ونجرى العملية الجراحية فى جسد الوطن بكل جرأة.
إذا تجاوزنا الحوارات الثنائية التى لا تتعدى حدود الشخصنة ، وتواثقنا على تناول القضايا الجوهرية التي تمس ازمة السودان، دعنا ننظر الى الوضع السياسي فى السودان نظرة شاملة ونحلل اتجاه سير الأمور في دولة لازالت انا شخصياً انظر اليها نظرة تحليل الواقع واعتقد بذلك جازماً أن السودان كدولة او أمة لا زالت هي فى مرحلة التكوين أو نشوء. نعم قد تجاوزنا بعد المراحل ولكن لا زالت أمامنا مراحل صعبة جداً ومن المعلوم الأمم تمر بمراحل نمو مختلفة وأكثر مرحلة حساسة هى مرحلة الطفولة.هذه المرحلة تحتاج إلى رعاية مكثفة وخاصة فيما يتعلق بنمو الأمم. الأمم تنشأ وتزدهر بالاستقرار وبتوفير الأمن أولاً، وهذا لا يتأتى إلا بوجود مجتمع متسامح تسود فيه قيم العدالة والمساواة.
وهنا نرى بعض الأمور تحدث في إطار هذه السيرورة وهي في الأصل جزء من عملية التكوين والنشوء ويبدو ظهور تكتل جديد باسم منبر الشمال نتيجة لتداعيات اتفاقية جوبا للسلام, والذي تزعمه في البداية كاردينال يعتبر جزء من ديناميكيات تكوين السودان وجاء هذا التكتل على النمط المتعارف فى تاريخ السودان الحديث وهو النمط الجهوى، وفعلا يعبر عن جهة جغرافية محددة للسودان على غرار دارفور والجنوب والمنطقتين .
التكتلات الجهوية هي ليست مبرأة من تأثيرات أخرى وعلى رأسها التأثير الاثنى ومن المؤكد فكرة منبر الشمال مثله مثل المنابر الاخرى التى سبقت فى السياسة السودانية كإتحاد أبناء جبال النوبة أو مؤتمر البجا أو جبهة نهضة دارفور، وحزب سانو فى الجنوب، فكل هذه المنظومات الجهوية نجد بداخلها جرثومة الإثنية ولو بميكانيزمات متفاوتة وحتماً مع فارق الزمن تحرك اليوم للشمال يثير الدهشة لكثير من السودانيين لأن الشمال كان أكثر جهة تتمسك بوحدة تراب السودان وقد ادارت هذه الفكرة بكل الوسائل بما فى ذلك وسيلة البندقية ولأن موقف الشمال هو الوحيد المختلف طيلة فترة ما بعد الاستقلال عما هو كان فى دارفور او مناطق الحروب الاخرى، وكانت المركز الذى يهمن عليه الشمال يتهم الجهات الاخرى بالعنصرية او الجهوية او الاثنية ألا إنه لا شك هذا المنبر ايضاً تهمين عليه اتجاهات اثنية ولكن يجب ألا ننزعج..
هذا المشهد وفق قرأتى نابع من الصراع والتفاعل الحاد الذى ساد الساحة السياسية تقريباً خلال العقود القليلة الماضية تحت مسمى الهامش والمركز وهذا المشهد ظل يتبلور على وتيرة متسارعة حتى أصبح المفهوم السياسي أقرب إلى فكر سياسي يدخل التاريخ ولو مرحلياً وبأقل شأنٍ من السرديات السياسية مثل الليبرالية والعلمانية والاشتراكية وأصبح له تفسير خاص وفق السياق السوداني.
وهذا المشهد دون ان ندفن الرؤوس فى الرمال علينا أن نقر أنه قد تحول الى واقع فرض نفسه سياسياً وأدى إلى انشطار الوطن إلى كيانين لكل سيادته الخاصة، ولا زالت بقية السودان تقف فى مفترق الطرق بسبب تقسيم الوطن إلى كتلتين كبيرتين( الهامش والمركز) وهذا المشهد له تأثير كبير ليس في المستقبل وحده بل تعدى إلى اهتزاز قواعد المنظومة السياسية القديمة حيث بدأت أضداد الثنائية السياسية في اضمحلال وتصدع. فإذا أمعن المرء النظر فى واقع القوى الحزبية السودانية يرى بوضوح تراجع الثنائية السياسية المتعارف عليها سواء بمفهومها الطائفي او الايديولوجي، ولم يعد الصراع اليوم بين اليسار واليمين او القومية والايديولوجية من المظاهر التي تشغل الساحة السياسية بل من الأرجح هذه المسميات بدأت تفسح المجال لصراع آخر ذو ابعاد مطلبية أو حقوقية .
واعتقد هي ظاهرة مع سلبياتها لا تخلو من الإيجابيات لأن المطروح الآن هو قضايا أساسية كانت فى محل النكران عند النخب الحاكمة وخاصة قصة المواطنة المتساوية والشراكة الحقيقية فى السلطة والتوزيع العادل للثروة وفى هذه الحالة عندما يصل التطور إلى مرحلة كل أطراف السودان تتحدث عن حقها فى هذه اللحظة يبدأ السودانيون جميعا بتبنى ما دعا له الراحل د جون قرنق وما دعا له كثير من السودانيين الذين ينادون بالمساواة والعدالة واعتقد من هنا يمكننا أن نبني التوافق على أسس من المساواة فى دولة تقوم على المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات وتنتهى الى الابد الحرمان ونستطيع أن نثبت حركة بندول الإشراك والإقصاء والتي عليها قامت حروب الابادة فى البلاد، عندئذ نحن على طريق صحيح لبناء دولة السودان والأمة السودانية ما دام جميعنا اعترفنا بأن هناك خللا يضرب بأطنابه في كثير من القضايا الجوهرية وعلى رأسها كيفية إدارة التنوع واحترام هذا التنوع.
عندما نفهم الواقع ونؤمن بالتدرج فى معالجة الازمة السودانية بدون شك اننا في الاتجاه الصائب لبناء دولة السودان ولكن يجب ان نقر ايضاً بناء الامة لن يكتمل الا بعد بناء هوية جامعة للسودان فلنقل الهوية السودانوية القادرة على اذابة كل مظاهر التشرذم الناتجة من وجود بؤر وشائجية سواء قبلية او طائفية او اثنية او حتى ايدولوجية. وبناء الهويات أمر يتطلب وقت طويل يقاس بقرون ولكن الطوبة الأولى لبناء هرم الهوية يحتاج الى توافق سودانى سودانى ومن ثم نبدأ رحلة المليون طوبة.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x