بقلم :المسلمي البشير الكباشي
عند مدخل ثمانينات القرن الماضي، سمعت شقيقي المرحوم عبد الوهاب، يمتدح صلاة رجل اسمه عبد الله مكي صادق، ويثني على كيف يقيم الرجل ركوعها وسجودها. كان موضوعاً عارضاً ولكن ما أيسر أن تعلق الكلمات في ذلك الزمان في أذهاننا. وفي ذات الأعوام ونحن في قيادة إتحاد طلاب جامعة أم درمان الإسلامية نذهب في حاجة زملائنا، دلفت على مكتب للندوة العالمية للشباب الإسلامي، ربما سعياً في حاجة أحد الطلاب، فإذا بي أمام رجل فارع الطول، إلى النحافة أقرب ، شديد بياض البشرة، كثَّ اللحية، شديد بياضها، اسموه لي عبد الله مكي صادق، وحين تطابق الاسم مع سابق ما ذكر شقيقي غدا مستكناً في الذاكرة،. رجل هادئ الطبع، مريح السمت، تخرج كلماته واضحة في هدوء، ترسخ ولا تبارح الذاكرة،. لا أتذكر إن كنت قد نجحت في مهمتي تلك أم لا، ولكني خرجت منشرح الصدر، فرح بمعرفة الرجل، وقد علقت في نفسي صورة رجل يجسد الوقار، ويمنح من الطاقة الإيجابية ما يسعد الروح.
ومن بعدها التقيت الرجل مرات وقد اتخذ له زاوية خاصة للتعبد والقربى لله، وهي أن يسد ما استطاع حاجة شباب المسلمين إلى العلم ، وخاصة من الاقليات المضطهدة في العالم.
فترى مكتبه مكتظاً بأناس من مختلف، الألوان، واللغات، والسمات. من شتى أمصار العالم الإسلامي ومن خارجه. يجهد عبد الله في البحث لهم عن فرص تلقي العلم في الجامعات السودانية وغيرها. نظن أن
ذلك بابه الذي يلج منه إلى رضوان الله. يفعل ما يفعل في هدوء، ورضى، وبساطة.. وتجرد. وكلمة التجرد هي السر الذي أودعه عبد الله مكي حياته كلها، إلى أن غادر الدنيا بعد عمر طويل، فقد حملت أنباء القاهرة بالأمس نبأ انتقاله إلى الرفيق الأعلى.
كان عبد الله مكي رحمه الله تجسيداً لهذه القيمة النادرة في حياة الناس ( التجرد) فهو لم يفعل ما فعل من أجل الظهور، ولم يزاحم بحثاً عن صدارة، فقد تنزه عن مطامع كل ذلك، وترفع عن حطام يرى الناس يسهرون جراءه ويختصموا..
جسد عبد الله رحمه الله معاني التجرد كما عمقها السادة الصوفية (أن يتجرد بظاهره عن الأعراض، وبباطنه عن الأعواض، وهو ألا يأخذ من عرض الدنيا شيئاً، ولا يطلب على ما ترك منها عوضاً) رحم الله عبد الله وأجزل أجره، وأثابه على ما ترك من مثال.
.
