المخاطر العالمية و تأثيرها على دول مجلس التعاون الخليجي

المخاطر العالمية و تأثيرها على دول مجلس التعاون الخليجي


بقلم: الدكتور كمال حسن علي
تعرض الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة الماضية إلى عدد من الازمات منها
الازمة المالية العالمية التي انفجرت في 2008 و أعتبرت حينها الأسواء من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929.
و بعد الخروج من هذه الأزمة بحوالي اثنتي عشر سنة دخل الإقتصاد العالمي في أزمة أكبر جراء جائحة كورونا والتي ادت اثارها إلى هبوط إقتصادي.و
إضافة إلى هاتين الأزمتين ذواتي الأثر العام على الاقتصاد العالمي كان هناك أحداث أثرت على الاقتصاد العالمي منها الحرب الروسية الأوكرانية و التي تسببت في الإرتفاع الكبير في أسعار النفط و الغاز و القمح والاسمدة حيث تعد روسيا و أوكرانيا من أكبر الدول المصدرة لهم في العالم.
المنتدي الإقتصادي العالمي ( دافوس ):
في ظل هذه الظروف و التعقيدات انعقد منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في يناير 2023 تحت شعار ” التعاون في عالم مجزأ ” بحضور و مشاركة أكثر من 2700 مسؤول بارز من 130 دولة بما في ذلك رؤساء دول وحكومات ووزراء ورؤساء بنوك مركزية وشخصيات عامة من المنظمات الدولية و قادة الاعمال والمبتكرين .

هذا الحضور الكبير و المتنوع أعطى هذا المنتدى مصداقية كبيرة في تقاريره و تحليلاته و توقعاته المستقبلية.
و قد أصدر المنتدى تقرير المخاطر العالمية 2023) والذي تناول أهم المخاطر التي تواجه العالم في العام 2023 و السنوات المقبلة حتى العام 2030.
والملاحظ أن تلك المخاطر ظهرت أو تفاقمت جراء الأزمات الاقتصادية والسياسية والبيئية و الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الامريكية.وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتي أدت إلى إرتفاع الأسعار في جميع السلع جراء زيادة أسعار الطاقة و الغذاء والتي أدت بدورها إلى زيادة معدلات التضخم والذي جعل البنك المركزي الأمريكي يزيد من معدلات الفائدة على القروض لكبح جماح التضخم لتتبعه البنوك المركزية في العالم باعتبار أن الإقتصاد الأمريكي هو الإقتصاد الأول في العالم و يمثل قاطرة الإقتصاد العالمي و هذا الأمر أثر أيضاً في زيادة الديون العالمية مما دعى صندوق النقد الدولي إلى مناشدة البنوك المركزية في العالم إلى إتباع سياسة مرنة تجاه الديون العالمية لمساعدة إقتصاديات الدول على تجاوز هذه التحديات .
من المخاطر التي ذكرها تقرير دافوس أيضاً هو زيادة معدلات الفقر و لعل ذلك يأتي نتاج طبيعي لأرتفاع الأسعار و زيادة معدلات التضخم و الذي بدوره يؤدي إلي تآكل مدخرات المستهلكين و نقص قيمة النقود التي بحوزتهم مما يعرضهم للفقر و يؤدي ذلك إلى تآكل الطبقة الوسطى في كثير من المجتمعات حيث ينحدر معظم منتسبي هذه الطبقة إلى حافة الفقر والذي له الكثير من الإثار السالبة التي تقود إلى خطر آخر تناوله تقرير دافوس و هو تآكل التماسك الإجتماعي حيث تؤدي زيادة الفجوة بين الأغنياء و الفقراء و تآكل الطبقة الوسطى إلى ظهور أمراض إجتماعية تؤثر على بنية المجتمع و تهدد تماسكه .
خطر آخر تناوله تقرير دافوس هو زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية حيث يظن الشباب الذي طحنه الفقر و عانى من البطالة أن الهجرة إلى الدول الغنية هي السبيل إلى انتشاله من الحالة المزرية التي يعيش فيها و لذلك يجازف بحياته عبر ركوب البحار أو غيرها من الوسائل غير الشرعية والخطرة للوصول إلى الدول الغنية التي تتوفر فيها فرص العمل و سبل كسب العيش .
أيضا من المخاطر التي حذر منها تقرير دافوس هو ازدياد ظاهرة الإتجار غير المشروع بالمخدرات والتي أصبحت مشكلة تهدد بأضرارها و مخاطرها العالم اجمع حيث ازدادت معدلات زراعتها و إنتاجها في العديد من الدول كما انتشر تهريبها و الإتجار بها عبر عصابات منظمة لما لها من عوائد و أرباح خيالية.
آثار المخاطر العالمية على الدول العربية و دول الخليج على وجه الخصوص:
بعد أن بدأ الاقتصاد العالمي يتعافى من أزمة كورونا وسجل العالم نسبة نمو 5.9% خلال العام 2021 قدر البنك الدولي في تقريره الصادر في يناير 2023 تراجع النمو إلى 2.9% خلال العام 2022 و توقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل 1.7 % في عام 2023 و 2.7% في عام 2024.
و بالرغم من الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي جراء الأزمات و المخاطر العالمية ألا أن التأثير على إقتصادات الدول العربية و التوقعات لعام 2023 يختلف من بلد لآخر لعدة عوامل.
و لكن في المجمل شهدت منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا انتعاشاً كبيراً خلال العام 2022 و تم تسجيل معدل النمو الأعلى خلال عقد ، حيث تمتعت دول المنطقة المصدرة للنفط بمكاسب غير متوقعة ناجمة عن إرتفاع أسعار النفط والغاز و إرتفاع حجم الإنتاج، إلا أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو في المنطقة إلى 3.5% في عام 2023 نزولا من 5.7% عام 2022.
و تختلف التوقعات حسب تقرير البنك الدولي بشكل كبير بين دول المنطقة حيث تواجه بعض الدول عدم إستقرار في الإقتصاد الكلي و صراعات ، بينما ينمو البعض الآخر بشكل ملحوظ، مع الإشارة إلى التداعيات الناجمة عن المزيد من الضعف الإقتصادي لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين لدول المنطقة وتفاقم الأوضاع العالمية و زيادة المخاطر المرتبطة بالمناخ و تصاعد التوترات الإجتماعية و عدم الإستقرار السياسي، قد تؤدي إلى حدوث مزيد من الانكماشات الإقتصادية و زيادة معدلات الفقر في بعض دول المنطقة.
و قد رأينا أن ارتفاع التضخم و انخفاض قيمة العملة كما حدث في كل من لبنان و سوريا و مصر و السودان و نقص الاستثمار أدى إلى تآكل مستويات الدخل في تلك الدول.
و على العكس من ذلك فإن دول مجلس التعاون الخليجي يتوقع أن تحقق 1.3 تريليون دولار إضافية من عائدات النفط في السنوات الأربع القادمة جراء زيادة ارتفاع أسعار النفط والغاز و زيادة الإنتاج حسب توقعات صندوق النقد الدولي و يأتي ذلك بعد ثمانية أعوام من الركود الإقتصادي الناجم عن انخفاض أسعار النفط و آثار جائحة كورونا.
هذه الأموال الإضافية تعني أن دول الخليج سيكون لديها فوائض في الميزانية للمرة الأولى منذ عام 2014 و من المتوقع أن تتسارع في النمو الإقتصادي بشكل كبير و على سبيل المثال نما الإقتصاد السعودي بنسبة 9.9% في العام 2022 و هو أعلى معدل نمو في عقد من الزمان كذلك تمكنت إقتصادات دول الخليج العربي و على رأسها السعودية والإمارات و الكويت من زيادة أنتاجها النفطي و حجم صادراتها العام الماضي باسرع وتيرة منذ نحو 10 سنوات مع الإبقاء على معدلات التضخم عند مستويات أدنى بكثير من المتوسط العالمي.
هذا النمو الكبير الذي تحقق في العام 2022 في دول الخليج العربي و نسبة للمخاطر التي رصدها تقرير دافوس 2023 فقد جاءت توقعات و تقديرات البنك الدولي للنمو في منطقة الشرق الأوسط و شمال أفريقيا لعام 2023 أقل بكثير من تقديرات عام 2022.
نتيجة للتباطؤ المتوقع في إقتصادات الشركاء التجاريين الرئيسيين و التخفيضات الجديدة في إنتاج النفط و تشديد السياسات النقدية المحلية.
كيف يمكن للدول العربية مواجهة المخاطر؟:
لعل الكلمة المفتاحية لمواجهة التحديات و المخاطر التي تواجه عالمنا اليوم بحسب تقرير دافوس 2023 لخصها شعار المنتدى “التعاون في عالم مجزأ “لان كل هذه المخاطر ليست مخاطر قطرية أو إقليمية إنما هي قضايا عالمية لابد فيها من وضع أسس للتعاون الدولي حتى تنجح السياسات الوطنية في إحتواء إثارها على المستوى الوطني.
و قد أكد الأمين العام للأمم المتحدة في المنتدى على أهمية التعاون مشيراً إلى أنه لا توجد حلول مثالية في ظل العاصفة لكن يمكننا العمل للسيطرة على الضرر و إغتنام الفرص و أكد على أن الوقت حان الآن أكثر من أي وقت مضى لتشكيل مسارات للتعاون في عالمنا المجزأ .
كذلك أكد بورج برنده – رئيس المنتدى” أنه في وقت مليئ بالتحديات، هناك شيئ واحد واضح، أنه يمكننا تشكيل مستقبل أكثر مرونة و إستدامة و انصافاً و لكن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي معاً، فالتعاون و العمل معاً هي الكلمة المفتاحية للدول العربية لمواجهة هذه المخاطر و التحديات و فيما يلي أهم الخطوات لتحقيق ذلك:
1/ يمثل نقص الغذاء و أرتفاع أسعاره تحدي كبير للدول العربية فعلى الرغم من توفر الموارد الطبيعية من الأرض و المياه و الموارد البشرية فهناك نقص كبير في إنتاج الغذاء فقد رصد تقرير أوضاع الأمن الغذائي السنوي 2021 و الذي تصدره المنظمة العربية للتنمية الزراعية أن قيمة صادرات الغذاء من الدول العربية 18.6 مليار دولار في حين أن قيمة الواردات 67.18 مليار دولار وأن فجوة السلع الرئيسة في الدول العربية على أساس الفرق بين الكميات المتاحة للإستهلاك من تلك السلع و الكميات المنتجة فيها تعادل 37.9 مليار دولار و هذا الأمر يتطلب العمل بجدية لإنفاذ المبادرات التي تم إطلاقها لتحقيق الأمن الغذائي العربي مثل مبادرة السودان للأمن الغذائي العربي و التي أجازتها القمة العربية بالرياض 2013 و المبادرات التي أطلقتها المنظمة العربية للتنمية الزراعية لتسريع تحقيق الأمن الغذائي إرتكازاً على البرنامج الطارئ للأمن الغذائي. هذه المبادرات تؤكد أن الرؤية الفنية و دراسات الجدوى الإقتصادية لمشروعات الأمن الغذائي متوفرة ولكن ينقصها الإرادة السياسية التي تحولها إلى واقع.
2/ لتلافي كثير من المخاطر التي رصدها تقرير دافوس 2023 يجب على الدول العربية أن تسرع من خطوات التكامل الإقتصادي العربي بإستكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبري وصولاً للسوق العربية المشتركة و هذا الأمر يتطلب إبعاد العمل الإقتصادي من تأثير الخلافات السياسية لزيادة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية و لخلق سلاسل إمداد مستدامة و هذا بالضرورة سيتطلب إصلاح قوانين الإستثمار القطرية لخلق مناخ استثماري ملائم يستطيع جذب رؤوس الأموال العربية و كذلك الإستثمارات الأجنبية المباشرة.
3/ في موضوع الطاقة تتمتع الدول العربية بتنوع كبير في مصادر الطاقة و لها ميزات إيجابية يمكن أن تجعلها مركزًا للطاقة، فبالإضافة إلى النفط والغاز تمتلك الدول العربية قدرات طبيعية و فيرة لإنتاج الطاقة من المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية و طاقة الرياح و الطاقة الكهرومائية .و لمواجهة خطر أزمة الطاقة يجب على الدول العربية أن تعمل بجد لتطبيق الإستراتيجية العربية للطاقة المستدامة 2030 و التي وضعها مجلس وزراء الكهرباء العرب انسجاماً مع أهداف التنمية المستدامة في أبعادها الإجتماعية و الإقتصادية و البيئية و بالتوافق مع هدفها السابع الرامي إلى تمكين الجميع من الوصول الميسر و الموثوق للطاقة الحديثة بشكل مستدام يراعي الواقع التنموي للدول العربية و آفاق تطوره المستقبلي حتى عام 2030.
و في إطار تنفيذ هذه الإستراتيجية يجب إكمال الربط الكهربائي لشبكات الكهرباء العربية و إكمال الإطار القانوني لقيام السوق العربية المشتركة و رفع مساهمة الطاقة المتجددة بشكل معتبر في خليط الطاقة الوطني و تحسين كفاءة الطاقة مما يؤدي إلى تقليل إنبعاثات الغازات الدفيئة.
و تمكن مصادر الطاقة المتجددة و الربط الكهربائي العربي الدول غير المنتجة للنفط و الغاز من الحماية من تقلبات أسعار الوقود و تأمين مصادر مستدامة تضمن الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة لتأمين الغذاء و المأوى و الدواء و العلاج لمكافحة الجوع و الفقر و قضايا التنمية الأخرى.
4/ من أبرز المخاطر التي تواجه العالم و التي تحتاج الدول العربية للتعامل معها بجدية هي أزمة تغيير المناخ لأن الفشل في تخفيفها و التكيف معها سيكون له انعكاسات سالبة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، و لعل من محاسن الصدف أن تم عقد مؤتمر الأطراف حول المناخ COP 27 في شرم الشيخ العام الماضي، و سيتم عقدCOP 28 في دولة الأمارات نهاية هذا العام، مما يوفر فرصة طيبة للمواطن العربي للألمام بقضايا المناخ. و يتطلب الأمر أن تقوم الدول العربية بسن القوانين والتشريعات التي تعمل على حماية البيئة و تقليل إنبعاثات الغازات الدفيئة بما يتوافق مع التوجه العالمي ووضع مقررات في مناهج التعليم و تسخير الإعلام للتعريف بقضايا البيئة و المناخ.
5/ من المخاطر التي تواجه العالم أيضا ظاهرتي الهجرة غير الشرعية و الإتجار بالمخدرات و هذه قضايا يمثل الفقر و العوز حاضنة لها، وهما تحتاجان إلى مزيد من التعاون بين الأجهزة المختصة في الدول العربية و بقية دول العالم لمكافحتها لأنها ظواهر غير مرتبطة ببقعة جغرافية محددة و إنما هي جرائم عابرة للحدود ، وتمثل الدول العربية الغنية مستقر للهجرة غير الشرعية فيما تمثل دول الشمال الأفريقي ممر للهجرة.
6/ من الخطوات المهمة للدول العربية لمواجهة التحديات و المخاطر التي تواجه العالم هي عملية الإصلاح الإقتصادي الشامل لأن الأزمات الإقتصادية تقوض جهود التنمية و لا يمكن دعم صمود الإقتصاد أمام هذه التحديات والمخاطر إلا بعملية إصلاح شاملة تستهدف تنويع الإقتصادات العربية و التركيز على التحول الصناعي و تطوير سلاسل الإنتاج و القيمة المضافة و إستخدام التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز النمو الإقتصادي في كافة القطاعات الصناعية و الزراعية و الخدمية لدعم الإستدامة و الحفاظ على البيئة والتكيف مع متغيراتها مع أهمية تحسين البنية التحتية للأتصالات و الأنترنت و التوسع في إستخدام التكنولوجيا و الاتجاه نحو الإقتصاد الرقمي و إقتصاد المعرفة مع إتخاذ إجراءات لتعزيز الحماية الإجتماعية و الحد من التداعيات السلبية على الفئات الضعيفة من المجتمع.
دور المنظمات و جهات التمويل العالمية والعربية في التخفيف من آثار المخاطر:
إن المخاطر التي أوردها تقرير دافوس 2023 لها أثر عام على الاقتصاد العالمي يتطلب من المنظمات الدولية و مؤسسات التمويل العالمية العمل للتخفيف من آثاره، و هو ما تسعى لتحقيقه الأمم المتحدة عبر منظماتها المتعددة فقضايا المناخ مثلاً يتم نقاشها على مستوى عالمي عبر مؤتمر الأطراف حول المناخ COP و قضايا التجارة العالمية و الحروب التجارية بين القوى الإقتصادية الكبرى تعالج عبر منظمة التجارة العالمية خاصة وأن منتدى دافوس أكد أن هناك فجوة تمويل للتجارة العالمية تصل إلى 1.7 تريليون دولار و هذا يتطلب تدخل مؤسسات التمويل العالمية لمساعدة الدول لسد هذه الفجوة .و كذلك لابد من وضع سياسات تعالج أزمة الديون العالمية و تجنب الاقتصاد العالمي الدخول في الركود من خلال مساعدة الدول للحد من تأثير أزمة الغذاء و الطاقة و غيرها من التحديات.
اما على المستوى العربي فان
لمنظمات العمل العربي المشترك و منظمات التمويل العربية دور كبير للتخفيف من آثار هذه المخاطر على الدول العربية ذات الموارد المحدودة و التي تعاني من أعباء الديون و ضعف المداخيل المالية.فقد
أظهرت التقارير أن الدول المستوردة للنفط تأثرت سلباً بالتحديات الإقتصادية التي تواجه العالم، حيث تواجه بعض الدول عدم الإستقرار في الأقتصاد الكلي و صراعات قد تؤدي إلى حدوث مزيد من الإنكماشات الإقتصادية و زيادة معدلات التضخم و الفقر و البطالة.
هذا الواقع يتطلب من منظمات العمل العربي المشترك و مؤسسات التمويل العربية التنسيق في السياسات و التعاون من أجل إغتنام الفرص التي توفرها الأزمة الإقتصادية العالمية، ففي مجال الأمن الغذائي يمكن السير بقوة نحو تنفيذ المبادرات العربية من أجل توفير الغذاء و التحكم في أسعاره و يتطلب ذلك إكمال البنية التشريعية بإقرار القانون الموحد لإستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية كما يمكن استثمار الفوائض المالية الكبيرة التي وفرتها زيادة أسعار النفط و الغاز و زيادة الإنتاج في الإستثمار العربي في المجالات الصناعية والزراعية لتوفير منتجات للصادر خاصة وأن أوروبا و أمريكا تبحثان عن سلاسل إمداد تكون أقصر من تلك التي تنطلق من الصين و شرق آسيا و قد سمع كاتب هذا المقال من مسؤول كبير في الإتحاد الأوروبي جمعه به لقاء عمل في الجامعة العربية أن أوروبا تفكر جدياً في إيجاد بديل لسلاسل الإمداد الطويلة خاصة بعد أزمة كورونا و غلق قناة السويس نتيجة لجنوح السفينة غلوري و ما سببته من تعطل إمداد المنتجات إلى أوروبا و هذا يمكن أن يوفر فرصة لإستثمارات ضخمة لإنتاج صناعي في الدول العربية يستهدف التصدير إلى أوروبا و يساعد في تنويع مصادر دخل الدول العربية.
أيضاً يمكن لمؤسسات التمويل العربية وعلي رأسها مجموعة التنسيق التي تضم معظم صناديق التنمية العربية أن يكون لها دور كبير من خلال توفير التمويل لمعالجة الكثير من الأزمات التي تواجه الدول العربية خاصة أن هذه المجموعة تمتلك قدرات كبيرة .فقد بلغ المجموع التراكمي لإلتزامات العمليات التمويلية لمؤسسات التنمية العربية أعضاء المجموعة حسب التقرير العربي الموحد. منذ بداية النشاط الإقراضي لها إلى نهاية عام 2020 حوالي 245 مليار دولار كان نصيب الدول العربية منها حوالي 127.7 مليار دولار. لذلك يمكن لهذه الموسسات توظيف كل أدوات التمويل المتاحة لدعم الدول العربية الأضعف مثل المنح و القروض الميسرة و الدعم الفني و دعم الموازنة العامة و وميزان المدفوعات و خطوط التمويل و تمويل التجارة و تأمين التجارة و الإستثمار و برامج تطوير القطاعين العام والخاص.
ختاما: بالرغم من قتامة الواقع الإقتصادي الدولي إلا أن الدول العربية يمكن أن تحول كل هذه المخاطر و الأزمات إلى فرص ترتقي بها إقتصاداتها إذا توفرت الإرادة السياسية و تكاملت الأدوار و تعاونت الدول من أجل إستغلال الموارد المتاحة لدى كل منها و يمكن حينها أن تصبح المنطقة العربية ليس مصدراً للغاز و النفط فقط وإنما مصدر للطاقة المتجددة و مصدر للغذاء و المنتجات الصناعية المعتمدة على تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة و الذكاء الإصطناعي و بذلك تعالج مشاكل و تقلبات الحاضر و وتضمن واقع أقتصادي أفضل في المستقبل.
السفير د. كمال حسن علي
الأمين العام المساعد السابق للشؤون الاقتصادية- جامعة الدول العربية
نقلا عن مجلة “آراء حول الخليج” العدد ١٨٤ عام ٢٠٢٣م

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x