الجمعة فى إسلانج.. طاقة شمسية تقربا لله

الجمعة فى إسلانج.. طاقة شمسية تقربا لله

بقلم :د.عبد السلام محمد خير
    كم من حكاوي تسيطر على الذاكرة بدلالاتها المدهشة!..كان قطارنا ينهب الأرض يطوي المسافات والزمان،وكلما توقف ليلتقط أنفاسه تلفت زائر أجنبي بين الركاب متسائلا:هل هذا القطار مازال يمشي على أرض سودانية؟!..لا قطار اليوم يفعل ذلك،ولكن بقيت إمكانية العبرة بالدهشة التى كان يصنعها القطار ليوحي بأن هذا السودان خيره(يحير)العالم حتى وإن خرجت بسيارة الأسرة إلى ضواحي الخرطوم..فأنت أنت الزائر الأجنبي!.
 * – ما حيرنا هو هذا العرض الممتد لمنتجات طازجة تتشابي إليها أنفس القوم على جانبي الشارع الممتد شمالا جهة السروراب..وفرة(ماثلة) ظلت(حلما)..المقارنة قابضة..وضع منكمش غالب علي ملامح  المدينة التى غادرناها واتجهنا للضواحي تواصلا مع أهل لنفاجأ بهذا المدد من عطاء الأرض وعرق الجبين..داهمتنا مشاعر التحسر على الإستسلام للوضع الراهن متجاهلين هذا الخير الوفير الذي يضرب به المثل لواقعية نظرية العرض والطلب، وأن الإنتاج هو الحل،وأن السودان بخير..لقد كثر(الكلام)عن هذا..هؤلاء ضربوا المثل لما ينقصنا-(العمل).

  • –  عرض المنتجات جعل الشارع مختلفا،الكلمة فيه للمنتجين..سيطر المشهد على خواطرنا طوال الطريق لتلوح المشاريع،صاحبة الفضل،على إمتداد النيل كشاهد إثبات للسواعد التي أنتجت هذا الواقع المختلف الذى يسعف عمليا وإيجابيا حال البلد الراهن..إستغرغنا التأمل كعابري طريق يتدفق الخير على جانبيه،بلا من أو أذى..بأي(فهم)تحقق هذا؟!..لماذا لا نعممه؟!.
    – كأننا كنا على موعد للتعرف على مكامن العقلية(المنتجة)لهذا المشهد..إنطباع الزائر هو أن أهل المنطقة نسيج منسجم دليله شارع يسع الجميع بخيرات الأرض..أدركنا ذلك حين أدركنا الجمعة بمسجد علي ذات الطريق بإسلانج-القرية الآمنة البارة بأهلها..الخطبة كأنها مستوحاة من شارع يضج بخيرات البلد،منتجات وفيرة تنبىء بعرق جبين،رزق حلال،بيان بالعمل،عمل عبادة عن إقتداء رشيد:(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه)- روح الخطاب على المنبر.  – الخطبة الأولي عن سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب،رضي الله عنه، ومنهجه فى إختيار الولاة ومراقبة أدائهم وضرب المثل فى التقشف وقبول الآخر..على طريقة(إياك أعني) روي الإمام قصة من أختير فاعتذر..روجع من باب تحمل المسؤولية لا الأمتيازات،فاستجاب.. تفاني حتى كاد يفني سهرا على راحة الرعية وكسب رضائها..الخطبة الثانية كانت قريبة من حاجة الناس ودواعي الإستعداد لرمضان..ذكر الحضور بدورهم فى مشروع(الطاقة الشمسية)لمواجهة إنقطاع التيار الكهربائي ومشروع(أشعريون)لصالح المتعففين..فى الأمر تفاصيل عن سابق خبرة فى عمل الخير وإنجاز المشروعات الطوعية..فصل فيما هو جديد فكشف عن مشروع طوعي للإستعانة بالطاقة الشمسية فى إنارة المساجد فى رمضان تقربا لله تعالي ولتلاوة القرآن الكريم بلا إنقطاع.
    – كديدن المصلين عقب خطبة لا تغمض لها عين إلتفوا حول الامام يهنئونه على ما جرى على لسانه من خير للناس إستعدادا لشهر شهرته الكرم..حدثتني نفسي وأنا الغريب لأن أشاركهم،فالتهنئة أدعى من جانب قادم من مدينة أهلها يشكون من فظاظة الخطاب والأسعار..عرفته بنفسي كزائر..كانت المفاجأة أنه جذبني إليه وحياني بحرارة  وهمس في أذني كمن يجهر بحب قديم!..إنه يعرفني!..وقبل أن تكتمل دهشتي باغتني بقوله(إني أقرأ لك)!..ثم مضى يؤكد ما قال بدليل موثق..قال إنه مازل يذكر مقالا لي عنوانه(العباسي..وليالي القمر فى السروراب)..سبحان الله..رددتها بين يدي محراب قبلة الدعاء صمتا، مقبولا بإذن الله..تمهلت حتى عرفته..إنه مهندس،وإنه قام بتفسير القرآن الكريم على مدي أربع سنوات بمركز الدعوة بالقرية، وإنه وإنه،وإنه الشيخ الشاب محمد الفاتح عبد الوهاب – أكرم وأنعم.    – المقال نشرته(أخبار اليوم)،(29،5،2003)،ورد بكتاب صدر بسوريا 2006(تأملات في الناس والحياة)..عبارة واحدة منه تكشف عن صلتي بالقوم،وكنت حسبتها طواها النسيان:(جئتها معلما لكنها علمتني الكثير ومنه الإهتمام بالثقافة،وبالإعلام..السروراب بحكم موقعها الجغرافي على الضاحية الشمالية لأم درمان حظيت بمزايا المدينة والريف معا،تجلي ذلك في المستوى المعيشي والثقافي للسكان الذين تميزوا بخصال تاريخية ودينية وإجتماعية..إنهم أمة مفاخرة،منسوبون للعلا والإضافة والشجاعة،وقد أفاض فى ذلك شعراؤهم).
  • – بدأ المقال بتعقيدات الحياة التي تصطنع النسيان(ولكن تبقي كلمة السر،علاقات باقية بنفس أنفاس البداية،لا يزيدها الزمن إلا قوة،كنيران الجمر المستترة تزيدها الرياح إشتعالا بينما تطفىء الشمعة الرياح هذه ذاتها)..كأنما هذه الزيارة جاءت تأكيدا لذلك عمليا لتذكرنا بأمجاد(ليالي القمر فى السروراب)يتصدرها شاعرهم محمد سعيد العباسي بقصيدته:
       * – (حياك مليط صوب العارض الغادي..وجاد واديك ذا الجنات من وادي).
     بها تتبارى الليالي القمرية بقصائد لأشهر الشعراء العرب يتقدمهم بنو السروراب التي ظلت لياليها فى الخاطر طوال تواصل حميم مع بروفسير الحبر بن الشيخ يوسف نورالدائم أكرمهما الله وجزاهما خيرا- حداة  مجالس العلم..د.الحبر عهدناه سخيا..يشهد له فيض أفضاله عبر تسجيلاته بالتلفزيون والإذاعة وحميمية إشرافه علي رسائل الدكتوراة..إنه يتمتع بمنظومة مناقب شاعت بين الكافة يتصدرها إنه(العلامة الأديب) كما ناداه إعجابا بروفسير عبدالله الطيب معقبا على روعة تقديم(تلميذه) له في إحدى المحافل، مثمنا عاليا بلاغة التقديم:
  • (مثل هذا الكلام مما يبارك في العمر، إن شاء الله).
      البعض أعادنا لما ورد فى الأثر..آخرون نوهوا لما يجري على لسان العامة فى وجه من أحسن قولا(الله يباركك)..ليتنا أطفأنا بها نيران خطاب كراهية يتضرر منه الخلق.
      * –  بروف الحبر؟!..كم يطيب للناس حديثه، تأسرهم بشاشته وطريقة عرضه لأفكاره وشعره،بارك الله فيه وأرضاه..هو ممن حببوا الخلق فى مناقب الرضا والإباء وعزة النفس وسمو الخطاب كما نوه فديو متداول اسفيريا عبر الحدود،يفيض باللطائف،يمتع الكون بمناقب سوداني هاجر لأوربا تبحرا في  أسرار(الآيات)..طبعه يذكرنا بمآثر السروراب المجيدة:
      – ( وإنا التاركون إذا سخطنا.. وإنا الآخذون إذا رضينا).
    *- التمني ختاما،فليته عاد(عمرو بن كلثوم)لزمان الناس هذا،وليت أستاذنا(الحبر العلامة)عاود إطلالته البشوش وقوله المبروك،وليتنا نتفقد من غاب وديدنه الحضور،وليتها عادت ليالي القمر في سائر الربوع أبرك ما تكون وقد لاحت (ليالي الطاقة الشمسية) كالهلال،مباركة..والحمد لله.

    صورة: بروفسير الحبر يوسف نور الدائم(هذا الكلام مما يبارك في العمر) 

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x