اتفاقية السلام الاثيوبية.. قراءة سريعة

بداية، نبارك للشعب الاثيوبي هذه الاتفاقية، وقد قيل قديما (لن تعرف قيمة السلام الا إذا فقدته و رأيت الثمن) .. والحرب بكل مسمياتها تؤدي إلى الموت والبؤس والعنف والجوع والنزوح والاضطهاد

اتفاقية السلام التي وقعت في جنوب افريقيا، بين الحكومة الاثيوبية وجبهة تيغراي، استحوذت على الكثير من الجدل، سيما انها لم تتطرق الى موضوع منطقة (غرب تيغراي) ومصير القوات الارترية، والتي كانت أبرز الشروط المسبقة التي طرحتها جبهة تيغراي، قبل الانخراط في أي مفاوضات، وسوف احاول هنا تقديم قراءة سريعة..

في نظري، ان الاتفاقية ركزت بشكل أساسي على معالجة جذور ومسببات الصراع، وليس على افرازاته، والتي تعتبر فرع من الأصل، ومتى ما تم معالجة الأصل، عولج الفرع بشكل أتوماتيكي

وتتمثل جذور الصراع ومسبباته ، في أمرين، الأول: الاستقلالية السياسية التي شرعت جبهة تجراي، في فرضها كأمر واقع، والتي بلغت ذروتها في الانتخابات المنفردة التي أجرتها في سبتمبر 2020 ، حيث كانت خطوات الجبهة، تسير على فصل أي امتداد وعلاقة طبيعية بالكل الاثيوبي أرضًا وشعبًا، و تحويل الاقليم الى كيان ذو سيادة منفصله، وتطوير مؤسساته الاقليمية بعيدًا عن السلطة الفيدرالية، مما سيكرس لانفصاله الجغرافي والسياسي، وهو ما يهدد بتداعيات كارثية، على وحدة الأراضي الاثيوبية

الامر الثاني: هو استيلاء جبهة تيغراي على السلاح الثقيل، اثناء هجومها على مقرات القاعدة الشمالية في إقليم تجراي في 3 نوفمبر 2020، وسعيها الي تكوين قوة دفاع خاصة بها ، وهو ما يشكل خطراَ وجوديا على امن و استقرار الدولة، سيما ان القوانين الدولية ، تلزم احتكار القوة (الحربية) بيد الدولة فقط ، وعندما يتمكن حزب او كيان، من حيازة سلاح ينافس سلاح الدولة، سيضعف من قدرتها على ضبط الامن، وسيكون لأي مواجهة مع هذا الكيان، ثمن كبير من القوة البشرية والمادية

وقد عالجت الاتفاقية هاتين المعضلتين، من خلال بنود صون وسيادة إثيوبيا وسلامتها الإقليمية، والاحتكام للدستور، والاتفاق على ان تكون لإثيوبيا قوة دفاع واحدة، ونزع الأسلحة وتسريح المقاتلين

في نظري ان بند (سيادة اثيوبيا وسلامتها الإقليمية) قد عالج بشكل اتوماتيكي مسالة وجود القوات الارترية، فيما عالج بند (الاحتكام للدستور) مسالة منطقة غرب تجراي

بخصوص بند نزع السلاح، بما انه سبقته ديباجة (قوة دفاع واحدة فقط) فالمقصود هنا السلاح الحربي أي (السلاح الثقيل) وتسريح المقاتلين، ممن تم تشكيلهم خارج الاطار القانوني، والتابعين بشكل خاص للجبهة، اما القوات التابعة للإقليم فضلا عن سلاحها، فهو بلا شك باقي، فبحسب الدستور يعتبر حفظ الامن والنظام داخل الاقليم منوطا بالشرطة المحلية، و تساندها القوات الخاصة، التي تعتبر قوات ذات طبيعة خاصة، تتعاطى مع المهددات التي تفوق قدرات الشرطة المحلية، اسوة بكافة الأقاليم

أخيرا ، وفيما يتعلق بإفرازات الصراع، فقد تم الاتفاق على العديد من البنود، من أهمها في نظري (الانتهاكات) التي تعرضت لها المجتمعات المتضررة من الحرب، من كافة الأطراف.. وهنا اتفق الجانبين على ضمان المساءلة والتحقيق ، لكن ضمن إطار (العدالة الانتقالية) ما يعني اللجوء لأليات العدالة التصالحية دون الجزائية وتغليب فكرة العفو ، تحقيقا للمصالحة وتضميد الجراح، حيث ترتكز آليات العدالة الانتقالية على كشف الحقيقة والانتصاف و جبر الضرر والتعويض المادي ، وأيضا المعنوي عبر الاعتذار و حفظ الذاكرة التضامن لمنع تكرارها مستقبلا

ختاما أقول ، انه من خلال التصريحات الصادرة (حتى الان) سواء من الحكومة الاثيوبية او جبهة تجراي، نلمس وجود رغبة حقيقة و إرادة سياسية لتنفيذ الاتفاق، و طي ملف هذه الازمة بشكل نهائي، لان البديل سيكون مؤلما، وسيفضي الي مزيد من التكلفة الإنسانية، فالقتال بين أبناء الوطن الواحد يعتبر أقسى انواع الحروب، وأكثرها تشويشاً لمنظومة القيم ، وأبلغها أثراً على حياة الناس

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x