عبدالمعين .. مدمن بين (الخرشة) و( الشختة)

عبدالمعين .. مدمن بين (الخرشة) و( الشختة)

بقلم: ابراهيم أحمد الحسن
قالت سامية وهي تهمس من فوق حيطة جارتها (ما سمعتي بعبدالمعين ؟ ) ترد الجارة (والله يطرشني هبب شنو تاني ؟ ) تقول سامية ( والله قالوا ليك بقى بتاع مخدرات ومدمن وامبارح ياسر ولدي مشى ليهم في البيت لقاه مسطول ) ، “ولادة الرماد”!! قالت الجارة ، وهكذا تناقلن جارات السؤ الخبر الحزين .
حاج سليمان في طريقه من المسجد بعد صلاة العشاء ، في يمناه مسبحة وفي يده اليسرى عصا معكوفة، يتوكأ عليها ويهش بها الكلاب الضالة، قال لجاره مصطفى وهما يمشيان الهوينى الي منزليهما المتجاورين ، “سمعت بالولد عبدالمعين قالوا بقى مدمن مخدرات . لا حول ولا قوة الا بالله” !! “مخدرات ؟ انا كنت متأكد انه دا نهاية الطريق المشى فيه !!”يقول مصطفى . اي طريق يا حاج مصطفى ؟ يتساءل حاج سليمان . “الولد دا ما سمعنا عنه الا كل خير !! ولد جدع وشهم ويكون دائما اول الحضور في اي مناسبة اجتماعية في الحى فرح ام كره ” قال سليمان ، لم تعجب هذه الاشادة حاج مصطفى فرد ممتعضاً ” انت اولاد الزمن دا ما بتعرفهم ، موية تحت تبن الواحد يبدو مسكين النعجة تاكل عشاه لكن تلقاه مصيبة كبيرة وما وراه شئ غير المصائب ” . ” الا عبد المعين يا حاج مصطفى ما سمعنا عنه الا كل خير ” رد حاج سليمان بثقة واطمئنان . ومثلما كان المثل السوداني المبين يفصح ان ( السترة والفضيحة متباريات ) ، بذات القدر كان حاج سليمان يمثل (السُترة) ويحاول ابعاد الشبهة ومواراة الفعل القبيح كان مصطفى يمثل ( الفضيحة) التي تنض عن سؤها ، تكشف العورات وتحرص علي تسديد الادانات المسبقة والاحكام الفطيرة ، فما كان اولى ان يقوم بستره ومحاولة تقويم اعوجاجه يقوم بنبشه ويتحدث عنه بالظن السئ واللسان العي.
اندفع فضل وراء الكرة التي نفذت من خلال الشباك الي خارج الميدان اصابة في الزاوية البعيدة ، اطلق حكم المبارة صافرة طويلة معلناً عن نهايتها مع ولوج الكرة في الشباك وتعدتها الي الخارج . التفت فضل يسأل عن عبدالمعين الذي غاب عن المبارة وقد كان حضوراً دائماً في كل المباريات يرتف صوته بالتشجيع والمؤازرة ، لا يشغله عن حضورها شاغل الا في زمن الامتحانات او كونه علي سفر . رد حسين مستنكراً عبدالمعين ؟ هو فاضى من البنقو ؟ والله قالوا سجارتو قصبة ؟ ” كيف الكلام دا يا زول ؟ مستحيل عبدالمعين يعمل كدة ، انا بعرفه واعرف اخلاقه و….” يقول فضل ، وقبل ان يكمل جملته تلك يسارع حسين مقاطعاً بالقول ” لو كدة انت ما بتعرف حاجة ” . وتتجلى هنا الاخلاق الرياضية في الممارسة بين القول والفعل، فضل بجسد ان الاخلاق الرياضية ما هي الا قول وفعل ،بينما يقع حسين في فخ مجالس النميمة ويبعد فعل الرياضة عن اقوالها.
في المقابر القريبة ظل امام الجامع يخطب معددا مآثر المرحوم ومزاياه ، حضر عبدالمعين في اللحظات الاخيرة ،محمر العينين يبدو عليه الارهاق والتعب .همس صلاح في اذن عاصم ،شفت زولك ؟ الكلام البتقال عنه كله صحيح ؟ شوف العيون الحمراء دي بسبب بنقو مخصوص مزروع في الادغال والاحراش ، دا قال ليك سطلتو ما بتفك ثلاثة يوم ! .بينما يفصح صلاح عن ظنونه ويحولها الي شائعة تملأ الارجاء تمس انساناً قد يكون برئ ، يصمت عاصم وهو يرى وأد مبدأ مهم في العدالة ان المتهم برئ حتى تثبت ادانته ،يصمت عاصم وهو يدرك ان في صمته مشاركة في الجريمة ، تطاله ذات عقوبة من قاد التجنى .
قلت شنو يا مان ؟ خرشة ؟ ما محتاجين نمشي بعيد !! عبدالمعين (آت ذا نكست كورنر ) ..وكمان بعيد من النقش ، دا يا مان قالوا بقى موزع كبير ، ولو حنكناه ممكن يبيع لينا وندفع بعدين ! وهكذا بنى المتعاطي الثاني احلامه بانصات جيد لمتعاطي اول حلق به سلطان (سطلته) عالياً فارتاد اوهام الخيال ونسج الحكايات الوهمية لا تقوم علي رجلين سوى السمع والتناقل الظالم.
اسمع لازم تراقب (الهدف عين ) ولا تتركه يفلت منكم حتى نوقع بالرأس الكبير !! يبدو ان وراء هذا الشاب اسرار واسرار يجب ان نهتم بكشفها ، يجب ان تأخذ العدالة مجراها . هكذا قال ضابط مكافحة المخدرات ،لجندي المكافحة الذي وقف في حالة انتباه وينصت اليه باهتمام . فما اضاع الضابط ما يتناقله الناس وأمسك الجندي بطرف معلومة قد تقوده الي الفاعل الحقيقي في وكر المخدرات وعوالمها التي فيها ما فيها.
وهكذا وبين ليلة وضحاها اصبح عابدالمعين وفي نظر الناس من حوله اجمعين (بتاع مخدرات ) مدمن ثم تاجر مخدرات ، لم يشفع له تأريخه الطويل في الاخلاق الرفيعة والسلوك القويم ، تكالب عليه الجميع ينهشون من سيرته العطرة لا للشئ الا لان عمه قال : ان عبد المعين اصبح مدمناً .
وانتشرت جملة عم عبدالمعين المبتورة والتي اسر لي بها ( ولم ازل علي قناعة انه ربما سربها الي آخرين كُثر ) عن ادمان عبدالمعين انتشار النار في الهشيم وبين عشية وضحاها اصبح عبدالمعين حديث اهل الحي والمدينة ، اصبح عبدالمعين مدمن مع سبق اصرار الرواة وترصدهم من لدن جارة السؤ مروراً بعواجيز الحي وكباره عمراً صغارهم قيمة ومقاما ، الي المتبطلين في مجالس الثرثرة والنميمة، الي زملائه في ميادين الرياضة ، الي الطفيليين والعطالى من رواد المناسبات الاجتماعية في الافراح وفي الاتراح وفي مقابر الدفن ومراسم التشييع، الي شباب ( الخرشة ) والمتعاطين الجدد ، وحتى افراد مكافحة المخدرات لم يضيعوا الفرصة ولم يجعلوا مستصغر شرر المعلومة يضيع خيط تتبعها فنصبوا امام دار عبدالمعين عين ووضعوا عليه رقيب يرصده .
العم ما كان يحسن التعبير عندما أبلغني بادمان عبدالمعين او ربما لم احسن الاستماع ، فقد قال العم ما قال وهو يقصد ان عبدالمعين اصبح مدمناً علي الانترنت والجلوس الي اجهزة الوسائط ووسائل التواصل الاجتماعي ، فهو يجلس علي جهاز الكمبيوتر اللوحي متنقلاً عبر الوسائط المتاحة حتى يتركه لجهاز الموبايل وغيره من الاجهزة الصقيلة والتي يتنقل عبر تطبيقاتها (بشختة) ، قلت في نفسي الحمد لله الذي جعل ادمان عبدالمعين في ( شختة ) الشاشة الصقيلة وليس في (خرشة ) المخدرات اللعينة . والشختة ذاتها ادمان وداء ولكن اخف وطأة واقوم من غيرها. وقبل هذا وذاك غفر الله لكل من خاض في سيرة عبدالمعين بسؤ ظن .
اما عبدالمعين وعندما سمع بخبر ادمانه من وسائط اجتماعية تمشي بين الناس لم يزد عن ابتسامة واسعة اشرق بها وجهه وهو يهرول الي طرف قصي في الحي ، ليساعد امرأة مسنة تسكن وحدها في معالجة مجاري الخريف وتصريف مياه الامطار وقد رأى في السماء ركام كثيف من سحب تنذر بامطار غزيرة ، فعل ذلك وحده عندما لم يزل الاخرين يخوضون بالسؤ فيّ سيرته في الطرف الاخر من الحي .

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x