(ولد الهدى فالكائنات ضياء)

(ولد الهدى فالكائنات ضياء)

بقلم :د. عبدالمحمود أبّو

الحالة الاجتماعية قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم(1)

قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:”لم يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية” فهو يشير بذلك إلى حجم التحولات الكبيرة التي أحدثها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المجتمع بعد البعثة؛ حيث أخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، ومن الحروب إلى الأمن والسلام، قال تعالى:((وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)).

الحياة التي سبقت بعثة النبي صلى الله عليه وسلم سميت بالجاهلية، مما يدل على أنها حياة كانت ضد الفطرة، ومخالفة للأوضاع اللائقة بالإنسانية، سأتناول في هذا التمهيد ونحن نعيش ذكرى مولده صلى الله عليه وسلم، بعض مظاهر الحياة الجاهلية التي سنرى كيف قضى عليها بالحكمة والموعظة الحسنة، أثناء سياحتنا مع سيرته صلى الله عليه وسلم.المظهر الأول:الشرك؛ كانت عبادة الأصنام من أبرز مظاهر الحياة الجاهلية، وكان اعتقادهم أن هذه الأصنام آلهة تضر وتنفع، ولذلك كانوا يتقربون إليها بالقرابين، ويسجدون إليها، ويبدأون يومهم بها تبركا، ويودعونها في سفرهم ويمرون بها في عودتهم قبل الوصول إلى بيوتهم،والأصنام التي يعبدونها كانت حجارة صماء لا حول لها ولاقوة، قال تعالى:(( وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ)).المظهر الثاني: العصبية القبلية والتفاخر بالأنساب، وعلى هذا الأساس كانوا يتعاملون مع الناس يقربون من ينتمي إليهم وينصرونه ظالما أو مظلوما، يغضبون لغضبه ويرضون لرضاه، يقول عمرو بن كلثوم:

وَرِثْنَـا مَجْدَ عَلْقَمَةَ بِنْ سَيْـفٍ**أَبَـاحَ لَنَا حُصُوْنَ المَجْدِ دِيْنَـا

وَرَثْـتُ مُهَلْهِـلاًوَالخَيْرَ مِنْـهُ* *زُهَيْـراً نِعْمَ ذُخْـرُ الذَّاخِرِيْنَـا* *وَعَتَّـاباً وَكُلْثُـوْماً جَمِيْعــاً**بِهِـمْ نِلْنَـا تُرَاثَ الأَكْرَمِيْنَـا

المظهر الثالث: انتشار الحروب

؛ كانت الحرب هي أداة حسم الخلافات بينهم، فكل قبيلة إما مغيرة أو مُغار عليها، وعرف التاريخ أشهر حربين هما:*حرب البسوس، وحرب داحس والغبراء،* الأولى أشعلتها حادثة قتل ناقة البسوس خالة جساس بن مرة، أقدم عليها كليب بن ربيعة بن عم جساس وزوج أخته، فاعتبرها جساس إهانة لكرامته، فاستمرت الحرب بين القبيلتين أربعين سنة. والثانية بسبب سباق خيل، بين عبس وذبيان، وكذلك قبل البعثة حدثت *حرب الفجار بين قبيلة كنانة ومنها قريش، وقبائل قيس وعيلان ، وحرب بعاث بين الأوس والخرج. تلك الحرب التي عبر عن مأساتها أبلغ تعبير، زهير بن أبي سلمى بقوله:

وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ**وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ**مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً**وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ**فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها**وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ**فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم**كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ**فَتُغلِل لَكُم ما لا تُغِلُّ لِأَهلِها**قُرىً بِالعِراقِ مِن قَفيزٍ وَدِرهَمِ**المظهر الرابع:الفوارق الاجتماعية والتمايز الطبقي بين الأغنياء والفقراء، والسادة والأرقاء*، عبرت عنها أبلغ تعبير هذه الأبيات من الشعر المنسوبة للإمام الشافعي ونسبت أيضا إلى العباس بن الأحنف:*يمشي الفقير وكل شيء ضده**والناس تغلق دونه أبوابها**وتراه مبغوضاً وليس بمذنب**ويرى العداوة لا يرى أسبابها**حتى الكلاب إذا رأت ذا ثروة**خضعت لديه وحركت أذنابها**وإذا رأت يوماً فقيراً عابراً**نبحت عليه وكشرت أنيابها.**المظهر الخامس: بعض السلوكيات غير الإنسانية*، مثل: وأد البنات، وحرمان النساء من الميراث، وانتشارالسفاح، وغيرها من العادات الجاهلية، وقد أشار القرآن الكريم إلى ظاهرة وأد البنات بقوله:*(( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ))*.*تلك هي بعض مظاهر الحياة الجاهلية، ففي هذا المناخ جاءت الرسالة الخاتمة، وفي هذه البيئة ولد النبي صلى الله عليه وسلم، الذي سنتطرق لميلاده والارهاصات التي صاحبته إن شاء الله إحياء لذكرى ميلاده صلى الله عليه وسلم**والتي عبر عنها أمير الشعراء أحمد شوقي بقوله*:*وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ**وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ**الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ**لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ**وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي**وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ**وَحَـديـقَـةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا**بِـالـتُـرجُـمـانِ شَـذِيَّةٌ غَنّاءُ**وَالـوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلاً مِن سَلسَلٍ**وَالـلَـوحُ وَالـقَـلَـمُ البَديعُ رُواءُ**نُـظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ**فـي الـلَـوحِ وَاِسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ**اِسـمُ الـجَـلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ**أَلِـفٌ هُـنـالِـكَ وَاِسمُ طَهَ الباءُ.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x