أهمية التزكية في ظل مناخ الفتنة

أهمية التزكية في ظل مناخ الفتنة


بقلم :د. عبدالمحمود أبو
بيّن القرآن الكريم أن من وظائف الرسول صلى الله عليه وسلم تزكية النفوس،وهو ما دعا به إبراهيم عليه السلام، قال تعالى :(( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)).
والتزكية معناها الطهارة والنقاء والصفاء، أي تخلية عن الرذائل وتحلية بالفضائل، ويؤكد ذلك توجيه الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين بالصبر على الأذى، وكظم الغيظ، وعدم الغضب، ورفض العصبية والاصطفاف على الباطل.
في ظل المناخ المشحون بلغة الحرب والكراهية والعصبية، علينا ألا ننسى وظيفتنا الأساسية التي خلقنا من أجلها، وهي وظيفة الاستخلاف التي لا تتحقق إلا بالاستقامة والائتمان على مفردات الكون؛ ولا يتحقق ذلك إلا بتزكية النفوس، ولا ننسى في ظل المناخ المشحون المسئولية الفردية لكل واحد منا عن أقواله وأفعاله ومواقفه، قال تعالى:(( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))، وقال تعالى:(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ))، وقال تعالى:(( وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)) فهذه الآيات وغيرها تبين المسئولية الفردية عن الألفاظ والتصرفات والمواقف.
الملاحظ هذه الحرب أحدثت انقساما في المجتمع مع وضد؛ بل في البيت الواحد هنالك اختلاف في وجهات النظر، وفي تقديرات المواقف، وهذا طبيعي، ولكن غير الطبيعي هو تحول الخلاف إلى عداوة، وإهدار للحقوق إلى درجة عدم الترحم على من مات وهو يقف في صف آخر!!!
إن الواجب في ظل هذه الظروف هو التذكير بموجبات الأخوة ومراعاة الحقوق، ولوازم التزكية وذلك بالآتي:-
أولا:مراعاة أحكام الشرع في الألفاظ والأفعال والمواقف، والتثبت في معرفة المعلومات الصحيحة، والحذر من نشر المعلومات والأخبار التي تؤذي البشر والوطن، قال تعالى:(( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)).
ثانيا: كف الأذى عن الناس، لأن من موجبات التزكية أمن الخلق منك، ونفعك لهم، ونجاتهم بك، قال تعالى:(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ))
ثالثا:المعاملة الحسنة، خلقنا الله لنقدم نموذجا في الاستخلاف، وإقامة العلاقات على الأخوة والمحبة والعدل والمعاملة الحسنة، قال تعالى:(( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)) ولا ننسى في هذا الموقف حديث المفلس، حيث قال صلى الله عليه لأصحابه :((أتَدرونَ ما المُفلِسُ ؟قالوا المفلس عندنا من لا درهم له ولا متاع. قال:إنَّ المُفلسَ من أُمَّتي مَن يأتي يومَ القيامةِ بصلاةٍ وصيامٍ ، وزكاةٍ ، ويأتي وقد شتَم هذا ، وقذَفَ هذا ، وأكلَ مالَ هذا ، وسفكَ دمَ هذا ، وضربَ هذا ، فيُعْطَى هذا من حَسناتِه ، وهذا من حسناتِه ، فإن فَنِيَتْ حَسناتُه قبلَ أن يُقضَى ما عليهِ ، أُخِذَ من خطاياهم ، فطُرِحَتْ عليهِ ، ثمَّ طُرِحَ في النَّارِ))
رابعا: ضبط النفوس بمكارم الأخلاق، المناخ الحالي مشحون بمشاعر الغضب والكراهية والعصبية والإحساس بالعجز في ظل قعقعة السلاح، ولا يعصم المؤمن من الانزلاق إلا بالاستقامة على منهج الشرع الحاكم لكل حركة حياتنا(( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ))، وقال تعالى:(( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ))، وقال تعالى:(( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)).
خامسا:تنمية الحب في النفوس، إذا استقر الحب في نفس الإنسان عصمه من الكراهية والبغضاء والأحقاد وكل الأمراض الحالقة، قال صلى الله عليه وسلم:((لا تدخلون الجنةَ حتى تُؤمنوا، ولا تُؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلّكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتم؟ أفشوا السلامَ بينكم))
سادسا: ترك الجدال والابتعاد عن المجالس التي تشجع على الفتنة، فبعض الناس جعلهم الله مغاليق للخير مفاتيح للشر، قال تعالى:( (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ))
سابعا:الاستعانة بالله وسؤاله أن يهدينا الصراط المستقيم، ففي ظل الفتنة يختلط الحق بالباطل والمسلم لا يكون إمعة وإنما يعرف الحق ثم يتبعه، قال سيدنا علي كرم الله وجهه:(الناس ثلاثة:عالم رباني، ومتعلم على سبيل النجاة، وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق يميلون حيث تميل الريح)).
اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا واهدنا الصراط المستقيم.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x