مخطط إسقاط الدولة السودانية

مخطط إسقاط الدولة السودانية

جمال عبد العال خوجلي

تدخل الحرب الدامية في السودان شهرها الثاني لتتضح أكثر وأكثر دوافع اندلاعها، وتتكشف حقيقة المخطط وكبره. الواقع يقول ان الاعداد والتجهيز لها كان كبيرا جدا:
أكثر من مائة ألف من داخل وخارج السودان جندوا لقوات الدعم السريع، دخل منهم العاصمة الخرطوم أكثر من سبعين الفا، وبقي الباقي حولها، كلهم بكامل عتادهم: آلاف السيارات المسلحة.، مئات المدرعات، الالاف من قطع السلاح الخفيف والمتوسط والثقيل وملايين طلق الذخيرة من كافة الأعيرة ، فضلا عن شركات دعم فني وتقني سخر لتحقيق الهدف الأساسي للمخطط:
إسقاط الدولة السودانية القائمة ولتصعد على السلطة في الخرطوم أسرة وأل دقلو ومجموعاتهم. الخطوة الأساسية لاسقاط الدولة هي هزيمة القوات المسلحة وتدميرها لينفتح الطريق للهدف .. تماما كما حدث من قبل في ليبيا واليمن ومن ثم صعود البديل .
بدأ الاعداد لاسقاط الدولة باضعاف الجيش منذ وقت مبكر جدا، وجد المخططون ضالتهم في مجموعات الجنجويد التي اتي بها عمر البشير وجهاز امنه لقتل وحرق واغتصاب اهل دارفور للقضاء على الحركات المسلحة هناك. وتعزز الأمر بخوف البشير من انقلاب القوات المسلحة عليه بعد ان استشرى فساد الانقاذ وساء حالها. وجد المخطط في دقلو اخوان الخيار المناسب فصعدوا للمجلس العسكري بعد الثورة ، ثم للمجلس السيادي. استفادت الخطة ايضا من تحالف الحرية والتغيير مع العسكر فيما عرف بالوثيقة الدستورية وهناك توثقت علاقات بعض مكونات قحت بالمخطط وبأل دقلو.
من وراء كل ذلك ؟
بدأ المخطط المستهدف لثروات السودان وموقعه وحكمه من بعد صراع الإسلاميين وتوجه البشير للحكم الديكتاتوري المتسلط بعيدا عن إتاحة الحريات والتعبير الديمقراطي. تمددت المصالح الخليجية في السودان وسعى البشير لحماية الروس لنظامه معلنا عن منحه روسيا قاعدة عسكرية في البحر الأحمر. إخترقت المصالح الأجنبية نظام الإنقاذ وحولته الى مجموعات مصالح أفسدت بنية الدولة ومؤسساتها تماما حتى سقطت الإنقاذ.
من بعد سقوط الانقاذ في ٢٠١٩م، انفتح الباب أمام مخططات كثر للهيمنة على البلاد، الموقع الجيوسياسي المميز للسودان بدءا بالساحل الممتد علي الممر المائي الذي تمر عبره ثلث طاقة العالم ، وامتداد السودان مجاورا لعدد من الدول بين الأثر الاستعماري البريطاني والفرنسي وتعدد القبائل والعرقيات ومساحات واسعة للزراعة وثروة حيواتية ضخمة فضلا عن ثروات معدنية عظيمة غالبها لم يستغل. رغبة ومصالح الإمارات في السيطرة على ساحل البحر الأحمر والتمدد في ثروات السودان التقت مع مخطط روسي يستهدف الوجود الغربي في أفريقيا خاصة الفرنسي في دول تشاد وأفريقيا الوسطى والنيجر وحتى مالي. التقت المصالح الثنائية في السودان كما إلتقت في ليبيا عبر عرابهما هناك: خليفة حفتر.
من جانبه مضي حميدتي يتوسع في إمبراطورية مالية ضخمة بما سيطر على مناطق الذهب، وتتوسع علاقاته الخارجية يخدم الاوربيين بتصفية محاولي الهجرة عبر الشريط الغربي للسودان، ويمكن للروس وفاغنر التواجد والنفوذ والحركة ضد الوجود الفرنسي في المنطقة. توثقت علاقة دقلو اخوان باسرائيل وعبرهم دخل الاسرائيليون لكل مواقع التصنيع الحربي السوداني. امتدت علاقة دقلو اخوان بالإمارات معبر الذهب اليها، ومنها وعبرها وردت اليه التجهيزات اللازمة للمخطط. اهتم أل دقلو بنموذج حفتر في ليبيا خاصة وان بعض ملامح المخطط نفذت من قبل في ليبيا عبر حفتر. هكذا أشتركت مصالح روسيا فاغنر والإمارات
تغيير البشير بأخر منسوب للاسلاميين لم يرض المخطط، ضغطوا عبر الياتهم فجاء البرهان مسنودا بحميدتي، تماما كما كان يتخيل البشير . سلم البرهان المواقع الاستراتيجية والهامة للدعم السريع، ولارضاء سنده حول عددا من قيادات الجيش للمعاش وكذا فعل بوحدات امنية ونظامية. اوهم المخطط البرهان ان بإمكانه حكم السودان بارضاء إسرائيل لترضى امريكا، وتوهم ان يستفيد من عناصر التفت حول البشير واجهزته الأمنية والعسكرية من جماعات المؤتمر الوطني التي وجدت في البرهان ضالتها للعودة للسلطة من جديد عبر الانقلاب العسكري، وتحاول بين الفنية والأخرى الإيهام بمقدراتها على تحريك الجيش. هكذا مضى البرهان في المخطط بندمير مقدرات القوات المسلحة.
إستفاد المخطط من تمترس قيادة الجيش ورفضها العملي للإنتقال الديمقراطي والحكم المدني، وصور ذلك للواقع السياسي مغايرا للدعم السريع الذيي تبنى قائده إعلاميا الاتفاق السياسي المدني الإنتقالي، بل وصار له عدد من المؤيدين من مجموعة أحزاب الإتفاق السياسي المدني هنا وهناك خاصة اليسارية.
التنفيذ:
بدأ التنفيذ بسيطرة قوات الدعم السريع على مداخل ومخارج الخرطوم عبر نقاط ارتكاز جهزت فيها كل المعينات العسكرية والغذائية للجنود وشبكات الاتصالات، سيطروا تماما على أرض الخرطوم ومختلف وحدات الجيش وسعوا للسيطرة على سماءها فمضى المخطط للسيطرة على مطار مروي الأطول مدرجا من مطار الخرطوم للتحكم وتدمير مقدرات طيران الجيش، وليقضوا على اي دعم خارجي له. هنا كانت بداية المواجهة. نجح الجيش في إفشال محاولة السيطرة على مطار مروي، إندحرت مليشيات الجنجويد من المطار ومن مروي بأسرها. قدر الجنجويد أن إستيلائهم الوشيك على مطار الخرطوم سيكون كافيا للتحكم في الطيران العسكري والمدني.
في صباح السبت 15 أبريل إنطلق التنفيذ مستدرجا إشتباكا محدودا جنوب الخرطوم لتنطلق الشرارة التي سرعان ما تحولت لحرب شاملة في أقل من عشر ساعات. حرص الجنجويد أن يسيطروا إبتداء على المثلث الهام في العاصمة : القيادة العامة للقوات المسلحة و القصر الجمهوري ومطار الخرطوم مستفيدين من تنازل البرهان لهم عن كل المواقع الإستراتيجية بالدولة التي هيمنوا عليها تماما. إنتشرت مجموعات الجنجويد في مختلف الأحياء خاصة ذات المواقع المميزة بالخرطوم التي تطل على المثلث الهام.
إندلاع الحرب نبه قيادات الجيش للوضع المزري الذي أوصله البرهان، خاصة وقد تمددت مليشيات الدعم السريع في مختلف مناطق العاصمة مدججة بكميات سلاح وآليات متطورة، فتحولت التعليمات لمن دون البرهان. إمتصت القوات المسلحة الصدمة الأولي، وسرعان ما إنطلقت الطائرات الحربية لتدمر معسكرات الدعم السريع حول الخرطوم ومن ثم لبعض مراكز تجمعهم داخل الخرطوم. إحتمي جنود المليشيات بالشوارع الداخلية للأحياء، وإقتحموا المنازل مدججين بالسلاح الثقيل ونهبوا ممتلكاتها وفرضوا على السكان الإنسحاب تماما من منازلهم ومن ثم الى خارج الخرطوم. صاحب ذلك ممارسات مشينه سجلتها منظمات عديدة خاصة حالات الإغتصاب. نزحت مجموعات كبيرة جدا من سكان العاصمة للولايات الأخري خاصة المجاورة على إثر توسع الإشتباكات بين الطيران العسكري وجيش الجنجويد المدجج بالمضادات الارضية والاسلحة الفتاكة.
الوساطه والعودة للمسار الديمقراطي المدني:
حاولت الدول الأفرييقية التوسط في النزاع المسلح لكن بلا جدوي ولا فاعلية، ثم جاءت المبادرة الأمريكية السعودية بالتهدئة ثم وقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية. المبادرة تتولاها فعليا أمريكا الحريصة على طرد الوجود الروسي من المنطقة كليا، ذلك ما بدا واضحا في سعيها للتحكم في مسار الوضع في السودان إبتداء من آليات مراقبة الإتفاق وإنتهاء بتشكيل السلطة المدنية الإنتقالية. بالنسبة لأمريكا أخطأ حميدتي بالاستعانة بفاغنر لتدريب قواته وتمكينها من المنطقة الغربية للسودان مما ساعد في تمددها في عدد من دول جوار السودان الغربي. بالرغم من الموقف الامريكي المعادي للوجود الروسي في المنطقة وإستعانة حميدتي بهم، إلا أن أمريكا لا تعطي شيكا على بياض للجيش السوداني للإنقضاض على مليشيات حميدتي خوفا من تمدد إنتصاره عسكريا ليواصل عسكرة السياسة والإستمرار في التحكم في مؤسسات الحكم و الدولة والتحايل على الإنتقال المدني الديمقراطي. الغالب أن يضغط الامريكيون على الجيش السوداني للقبول بالتسوية السياسية المدنية الإنتقالية.
القوات المسلحة من جانبها يبدو أنها إستدركت جزء من إخطاء البرهان بالزج بها في أتون العراك والإستقطاب السياسي ورغبته في تكرار نموذج السيسي المصري حاكما عسكريا على السودان. جاء تعيين السيد مالك عقار نائبا لرئيس المجلس السيادي رسالة منها بالقبول بالتوجه المدني لتدابير الحكم. المعروف أن السيد مالك عقار هو أحد أبرز الموقعين على الإتفاق الإطاري للإنتقال الديمقراطي المدني وهو شخصية مدنية مقبولة لمختلف القطاعات السياسية المدنية. المتوقع أن توكل القوات المسلحة للسيد مالك عقار الترتيبات السياسية للإتفاق السياسي الأوسع والأشمل المنشود. إن تم ذلك فإن الراجح أن يتولى السيد مالك عقار رئاسة المجلس السيادي المدني خلال الفترة الإنتقالية.
كذلك تم تعيين الفريق شمس الدين كباشي نائبا للقائد العام للقوات المسلحة، ويوصف الكباشي بأنه الرجل الأقوى حاليا في الجيش، ويتوقع أن تؤول اليه قيادة الجيش بديلا للبرهان بعد أن تضع الحرب أوزارها. سيكون ذلك أفضل سيناريو يبعد جنرالي الحرب من واجهة حكم السودان ويحفظ للقوات المسلحة مهنيتها وقوميتها ووحدتها بعيدا عن التدخلات السياسية وحمل السلاح خارج مؤسسة القوات المسلحة. أما إذا إختارت قيادة القوات المسلحة الخيار الآخر بمواصلة التحكم في السلطة وعسكرة الحكم فستمضي بالسودان الى الهاوية.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x