تصريح مناوى …غضبة الحليم التى لا يمثل فيها نفسه بالضروره ….

تصريح مناوى …غضبة الحليم التى لا يمثل فيها نفسه بالضروره ….

يُعرف عن مناوى كسياسي فى الساحة ، انه رجل واضح وبسيط فى تناول الحديث ومباشر يضع النقاط فى الحروف very direct to the point ، ويخلط احاديثه دائماً بنوع من القفشات والنكتة ، مما يجعل بعض رواد الميديا يتهكمون ويسخرون من احاديث الرجل وبساطته احياناً ، ولكنهم يعودون نفس هولاء الرواد لاحقاً لاجترار احاديثه لاخذ الحِكم والعظات ، من نبوءات الرجل وقراءاته السياسية ، هذا على مستوى الساحة السياسية
اما على مستوى الحوارات السياسية فى المنابر والغرف المغلقة ، فان الرجل اكثر وضوحاً من لقاءاته السياسية فى الهواء الطلق ، ويتمثّل فى الرجل دائماً المقولة الشعبية
” الكبير عنده الجمل ” لا يعرف لومة لائم ولا مهابة سلطان

اقدر جداً للرجل واتفهم لغة الغضب التى اظهرها يوم امس بالفاشر ، عند مخاطبته للقوة المشتركة لحماية المدنيين ، وقناعتي ان اكثر ما اثار الرجل واغضبه هو مواقف بعض ابناء دارفور ، هولاء هم للاسف نشطاء وسياسيو كل المواسم ، عندما بدأ مناوئ القتال من اجل ازالة الظلم من اهل دارفور على مدار عشرين عاماً الماضيه ، هم كانوا مصطفين مع السلطة الظالمة ويصفونه حينها بالمتمرد ، وعندما وقع السلام واتى الى الخرطوم استقبلوه بالورود كمناضل قاتل من اجل مواطن الاقليم ، وعندما اندلع الصراع الان وحسّبوا الحسابات ( السياسية منها والخاصة ) رأوا ان دعوة الرجل لمواطن دارفور لحماية نفسه ، رأوا ان مثل هذه الدعوة قد يخلق نوعاً من (توازن القوة) فى مجتمع دارفور ، وهو امر لا يريدونه الان على الاقل ، ربما يريدون ابقاء دارفور بكفة (مائلة) وبوضعه الحالى لاسباب لا يريدون الافصاح عنها الان !
اذا استثنينا الانفلاتات والقتال الذى ينشب احياناً بين افراد او حتى مجموعات صغيرة نتيجة لسرقات البهايم مثلاً ، من هنا وهناك فى الريف الدارفوري ، فان جُل الحروبات المدمرة فى مدن دارفور ، تقوم الان لان هنالك مجموعات بعينها فى دارفور هى لوحدها تملك السلاح وبتصريح الدولة وتقنينها ، والاخرون لا يملكونها وبالتالى يتعرض الطرف الضعيف للابتزاز وسلب الحقوق والحرق وبل الاغتصاب ، وكل ذلك لسبب ان الضحية مجرد من السلاح والاخر مدجج بسلاح الحكومة والحكومة لا تحمى مثل هذا المواطن ، اذن الى متى يظل مواطن دارفور تحت رحمة جلاديه والحكومة تتفرج ؟ الم يكن الدفاع عن النفس مشروعاً بالفطرة والديانة والقوانين الدولية ؟
مناوى لم يدعو الدارفوريين للقدوم اليه كحاكم لصرف السلاح لهم من مخازن الدولة ، كما فعلت الدولة لمجموعات بعينها فى دارفور ، ولكنه قال : يا اهل دارفور كفى اذلالاً وقنوتاً ….!! هبوا لحماية انفسكم نحن لا نقوى على حمايتكم فى هذه الظروف الاستثنائية ولكننا نعينكم بقدر المستطاع على حمايتكم وحماية ممتلكاتكم ، ولكن كونوا انتم فى خط الدفاع الاول عن انفسكم الى حين استقرار الاحوال وفرض هيبة الدولة على اساس تكون الحكومة هى المالكة الوحيدة للسلاح مستقبلاً بعد تجريد الجميع على قدم المساواة .
دعونى اذكر حالة قائمة فى دارفور كواقع ولتقيسوا الاحوال على اساسه ، منذ قيام ثورة دارفور وحتى الان وبعد توقيع اتفاق جوبا والاتفاقات التى سبقتها والتى لم تجد حظها من التطبيق . تجد فى ريف دارفور رجلاً بسيطاً وراعياً للابل مثلاً ، تجد مع مثل هذا الرجل – ولانه ينتمى لمجموعة قبلية او عرقية محددة – السلاح بترخيصه من الدولة وبطاقة عسكرية برتبة محددة من الدولة وراتباً شهرياً ثابتاً ، واحياناً حتى عربة الحكومة ! ، وقد يندر لمثل هذا الرجل ان يزور المدينة لانه مشغول مع بهائمه فى الخلاء ولا حاجة له للتواجد فى المدينة ، وحتى صرف راتبه الشهرى يوكله لشخص فى المدينة ، وفى المقابل تجد مواطناً من نفس البيئة وبنفس المواصفات والمهنة ولكن لا يتمتع باى من هذه الميزات التى يتمتع بها نديده فى المواطنة فقط لانه لا ينتمى الى نفس القبيلة !
ولكن المفاجأة الكبرى انه فى حالة نشوب اى خلاف قبلى او فوضى فى مدن دارفور للهجوم على المواطنين العزل وسرقة الاسواق ومؤسسات الدولة تجد المواطن المسلح ( الرسمى ) هو من يتصدر كل اعمال الاجرام لانه فقط يملك السلاح وغيره لا يملكه ، ولانه متعود على بيئة السلب والنهب التى ينتشر فى المجتمعات التى اتوا منها ، وخير دليل هو ما يحدث الان فى الخرطوم ، البعض منهم جاء الى الخرطوم للقتال بدعوة من عينة : (تعالوا ناكله خرطوم ) !
وترون الان بام اعينكم مستوى النهم البهيمي الذى يدفع هولاء لسرقة فروع البنوك وملئ الجولات بالبنكنوت ونهب بيوت المواطنين وممتلكاتهم وابتزاز العزّل واهانتهم وبل قتلهم بدم بارد ، فقط لانهم لا يملكون السلاح وهو يملكه !
هذه هى الاوضاع فى دارفور وبالتالى سِلم وامان اهل دارفور يتوقف على خلق (توازن قوة رادعة) فى مجتمع دارفور الى حين خلق دولة القانون ليس فقط فى دارفور وبل فى كل السودان ، وعندها تتم تجريد المواطن من السلاح بالقانون ويُحرم حمله الا للقوات النظامية .
واختم حديثى بمعلومة بلغنى اياها صديق يوم امس وهو يقيم فى امريكا منذ اكثر من ثلاثين عام ، يقول فيه ان فى ولايات امريكا تختلف فيها التشريعات ، بعضها تسمح بتملك السلاح النارى وبعضها تجرم حمل السلاح ، والمذهل ان الاحصائيات قد اظهرت ان الولايات التى تسمح بتملك السلاح هى الاقل فى نسبة الجرائم – وبدرجة كبيرة – المنفذة بالسلاح النارى ، مما جعل مواطنى الولايات التى تجرم حمل السلاح بالمطالبة بتقنين حمله ، وهذه هى حقيقة توازن القوة ، على غرار ” الردع النووى ” حيث جبُل الرؤساء فى البيت الابيض والكرملين على توريث شنطة مفاتيح السلاح النووى من رئيس الى خلفه وهى مغلقة لا يجرؤ السالف على فتحها

محمد بشير ابونمو
الثلاثاء ٣٠ مايو ٢٠٢٣

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x