عبد الله النمر، وكباشي الأسد .. أسبوعان علي الإقتران

عبد الله النمر، وكباشي الأسد .. أسبوعان علي الإقتران

تأملات
جمال عنقرة

هذا المقال الذي يجمع بين أخي وصديقي ومعلمي وقدوتي عبد الله النمر البروفيسور عبد الله سليمان العوض عبقري العمل الإنساني الطوعي، والدعوي، ورمز الوصل والتواصل والشجاعة والاقدام، وبين ابن أخي الفريق أول ركن شمس الدين كباشي أيقونة العسكرية والملكية، الذي استطاع أن يدخل قلوب السودانيين جميعا في زمن وجيز، بما حباه الله به من كاريزما وفصاحة لسان، ووضوح مواقف، وثبات علي المبادئ، هذا المقال فكرت في كتابته قبل أسبوعين بالتمام والكمال، عشية ليلة السبت الرابع والعشرين من شهر رمضان المعظم، يوم أن وقعت الواقعة، وانفجرت الأزمة، وصار السودان قاب قوسين أو أدني من الضياع، ومناسبته أن يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر رمضان تزامن فيه موعد إفطار الدكتور عبد الله سليمان العوض السنوي، وافطار الفريق أول ركن شمس الدين كباشي، والإفطاران لا يحق لي التخلف عن أحدهما، فافطار دكتور عبد الله لم اغب عنه قط، لا في حياته، ولا بعد مماته، وبعد وفاته صار الحضور أوجب، ليس من باب الوفاء فقط، ولكن حتى لا تعتقد أسرته أن قيمة الوفاء قد انقطعت تماما، وكثيرون من الذين صنعهم دكتور عبد الله من العدم، تنكروا له في حياته قبل مماته، لا لشئ إلا لأنه قال للحكومة لا، وكانت الحسرة سببا من أسباب مرضه وموته، ومعروف عن دكتور عبد الله أنه أكثر الناس وفاء، وكان علي الدوام علي استعداد للتضحية من أجل الغير، وأذكر عندما حدثت مفاصلة الإسلاميين الشهيرة في شهر رمضان في العام ١٩٩٩م، ووالي دكتور عبدالله الدكتور حسن الترابي، وكان من أول الذين أعلنوا انضمامهم للمؤتمر الشعبى، سأله أحد اقرانه من الإسلاميين المؤسسين من الذين انضموا للمؤتمر الوطني، وقال له “البوديك مع حسن شنو بعد كل العملو فيك؟” فرد عليه النمر بكلمة واحدة “رجالة” وكان الدكتور الترابي قد بارك كل الإجراءات التي اتخذت بعد الإنقاذ في حق الوكالة الإسلامية للاغاثة التي صنعها النمر من لا شئ، حتى صار لها نحو ٤٥ مكتبا في أغلب دول العالم في كل قاراته، ولكنهم دمروها بتلك القرارات، وتلك قصة تطول، ولكنها رجالة النمر التي علمنا لها، وندفع اثمانها راضين طائعين، مستمتعين.
ورغم أن الله تعالي قد يسر لي صحبة كثيرين من عباقرة أهل السودان، وتتلمذت في مراحلي الدراسية من الأولية وحتى الجامعة علي ايدي معلمين كانوا خير قدوة ومثال، إلا أن كل هؤلاء كوم، وما تعلمته من النمر كوم آخر، ولحفظ حقوق الناس أذكر بعض الذين كنت قريبا منهم، وتعلمت منهم الكثير، وأقول علي سبيل المثال لا الحصر، الرئيس جعفر محمد نميري، الشريف زين العابدين الهندي، الإمام الصادق المهدي، السفير أحمد عبد الحليم محمد، الأستاذ بشير محمد سعيد، والأستاذ السر أحمد قدور، وعلي مستوي المعلمين، في مدرسة أم روابة الغربية الأستاذ الجزولي الطيب، والأستاذ محجوب محمد جعفر، وفي مدرسة عاصمة كردفان الأستاذ محمد طه الدقيل، والأستاذ محمد علي، وفي مدرسة الأبيض الثانوية الأستاذ الشاعر الهادي آدم، ومولانا الغالي جديد، وفي كلية الزراعة كفر الشيخ التي كانت تتبع لجامعة طنطا في ذاك الزمان، الأستاذ الدكتور أحمد سيد النواوي، والأستاذ الدكتور صابر عبده جاهين.
أما ابن أخي الجنرال شمس الدين كباشي، ففضلا عن أن اسمه ارتبط باسمي بعد واقعة الحتانة القبيحة، ولا أري قبحا كبيرا في تلك الهتافات العنصرية البغيضة من بعض الصبية المغرر بهم، ولكن القبح الأكبر تمثل في صمت أدعياء الحرية والسلام والعدالة، فلم يفتح الله علي أحد منهم بكلمة حق واحدة، ففضلا عن ذلك، فعلي الرغم أني لست الأكبر سنا ولا مقاما في اسرتنا، سواء في أسرة جدي الأمير النور عنقرة، أو جدي لوالدتي الشيخ جبارة عمر، فإن الاسرة تكرمني بالتقديم في كثير من المحافل، وذلك يستوجب علي الحضور والمشاركة في كل مناسبات الأسرة، صغيرها، وكبيرها، قريبها وبعيدها، فما كان من الممكن أن اتخلف عن إفطار شمس الدين، وهو فضلا عن ما يقوم به من دور وطني عظيم، هو بالنسبة لنا آل كنونة، مجددا لامجاد الأسرة، وهي أسرة ذات رسالة وتاريخ، فمن بين سبعة عشر من شباب الغلفان بايعوا الإمام المهدي عليه السلام في قدير وهاجروا معه، وشاركوا في تحرير الخرطوم، ثم رابطوا مع الخليفة عبد الله، وشاركوا معه في كرري وأم دبيكرات، ثلاثة منهم كانوا من بيت كنونة، جدي لوالدتي الشيخ جبارة عمر، وشقيقه، نيل، وهما شقيقان لجدة كباشي والد شمس الدين “بخيتة”، وثالثهما ابن عمهما ريحان.
ولعل اشهرهم في مواصلة الرسالة جدنا الشيخ جبارة عمر، ولعل إكرام الله له بطول العمر أعانه علي ذلك، ومن عليه بحسن الختام، فعاش حتى العام ١٩٧٦م، ومات عن عمر يناهز المائة وثلاثة عشر عاما، صار فيها رمزا من رموز مدينة أم روابة، فهو الذي زرع كل النيم الذي عرفت به “عروس النيم” وهو الذي أسس الغابة التي كانت تمثل حياته كلها، وكان صديقا لكل حيواناتها الأليفة والمتوحشة، فلا الأليفة تهرب منه، ولا المتوحشة تهاجمه، وهو قطب الطريقة التيجانية الأشهر في المدينة، وقبره الآن مزار في مقابر السيد أحمد التيجاني شرقي مدينة أم روابة القديمة، مع إخوانه الشيخ احمد التيجاني الفوتي، والشيخ محمد ود دوليب، والشيخ الاسطي محمود، والشيخ محمد لهم الرحمة والمغفرة.
ومن اسلافه الذين وضعوا بصمة، لا سيما في مجال العسكرية والبطولة، عمه الشهيد العقيد داود ريحان، بطل ملحمة قوقريال، وهو أخي لوالدتي، والجيش السوداني كله يعرف الشهيد البطل الذي استطاع بمائة مقاتل فقط أن يحرر مدينة قوقريال في بحر الغزال التي كان يحاصرها آلاف من المتمردين، ولما استشهد في الثاني عشر من شهر مارس عام ١٩٨٦م، نعاه رئيس المجلس العسكري الإنتقالي المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، ونعاه وزير الدفاع اللواء الركن عثمان عبد الله، ونعاه مدير التوجيه المعنوي اللواء الركن الخير عبد الجليل المشرف بقصيدة عصماء، ونعاه أيضا الدكتور جون قرنق.
وهذه شذرات من ملامح تاريخ أسد الجبال وتراثه، وهي بعضا مما يسنده ويدعمه، ويدفعه، ليكون وفيا لشعبه، ووطنه، وقواته المسلحة، ولذلك ما كان من الممكن التخلف عنه في ذاك اليوم، وهو كان يوما مشهودا، كان كل السودان حاضرا، وللجمع بين المناسبتين العظيمتين، للرجلين العظيمين، عبد الله النمر، وكباشي الأسد، فطرت في بيت دكتور عبد الله سليمان في حي المغتربين بحري، مع أبنائه هاني، وياس ، ومع الأوفياء من تلاميذه في الوكالة الإسلامية للاغاثة، ثم تحركت إلى النادي العالمي بشارع النيل الخرطوم حيث كان إفطار الفريق أول كباشي، وأذكر في مدخل النادي قابلت الأخ القائد مني اركو مناوي، فقال لي “أنا عايزك” وعلي جانب من الإفطار حكي لي أخي الدكتور عبد العزيز عشر بعض تفاصيل المبادرة التي يقودها زعماء سلام جوبا، وبعد الإفطار اتصل بي أخي علي حمدان ناشر صحيفة المستقلة، وجدد لي رغبة القائد مناوي في التواصل، وكذلك الأخ الدكتور محمد عيسي عليو، فاتصلت بهما، فحدثوني عن المبادرة التي يقودونها لنزع فتيل الأزمة، ومعهما القائد مالك عقار، والدكتور جبريل إبراهيم، وطلبا منى الإنضمام إليهم، وهذا طلب غير قابل للتفكير، فصرت واحدا منهم، ولحق بنا وطنيون كثر، لا سيما بعد انفجار الأوضاع صبيحة اليوم التالي، والتقينا مع مبادرات أخري تسعي لذات ما نسعي له، وقف الحرب والتأسيس لبناء جيش قومي مهني واحد، واستكمال العملية السياسية باستيعاب كل أهل السودان إلا من أبي، وبالله التوفيق والسداد.

admin

تدوينات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Read also x